/ صفحه 363/
للمسلم أن يجاريه في انتهاك الحرمات، وإن كان العدو المحارب يقتل الذراري والذين لا يقاتلون ولا رأى لهم في القتال لا يصح أن تجاريه، وإنه قد بلغ حرص الإسلام على المعاملة بالفضيلة والعدل أن حرم التعامل بالربا في دار الحرب للمحاربين كما حرمه في دار الإسلام بالنسبة للمسلمين، واقرأ وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجيش أرسله، فهو يقول:
(انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة، ولا تغلوا (1)، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين) ولقد قال (عليه السلام) لجيشه، وقد بلغه قتل بعض الأطفال: ما بال أقوام جاوز بهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا ذرية. ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصية ثالثة لجيوشه:
(سيروا باسم الله في سبيل الله، وقاتلوا أعداء الله، ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تنفروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا) ويوصى بالأسير ألا يقتل، فيقول: (لا يعترض أحدكم أسير أخيه فيقتله).
وكان (عليه السلام) ينهى عن قتل النساء والعمال، وقد رأى امرأة مقتلوة في إحدى الغزوات التي غزاها خالد بن الوليد، فقال مستنكراً: ما كانت هذه لتقاتل وأرسل إلى خالد يقول له: (لا تقتل ذرية ولا عسيفا) (2).
وهكذا نجد الهدى الإسلامي يقيد القتال بالفضيلة، فيمنع الاعتداء في القتال ابتداء، وفي أثنائه، وفي نهايته، فلا قتال مع من لا يعتدي على الإسلام، ولا قتل لمن لا يقاتل إذا نشبت الحرب، ولا اعتداء بعد انتهاء الحرب، بل معاملة رفيقة لمن كانوا في أيدي المسلمين من الأعداء، ولم يأخذوهم إلا بعد أن أثخنوا في الأرض.
وإنه في السلم يجب أن تسود الفضيلة، فلا تنتهك حرمات المخالفين، ولا يباح فيهم ما لا يباح مع المسلمين، حتى إن الربا يحرم في معاملة المسلمين، فيحرم أيضاً في معاملة المسلم مع غير المسلم.

ــــــــــ
(1) أي لا تخونوا.
(2) العسيف: العامل المنصرف لزراعة الأرض أو لأي عمل آخر.