/ صفحه 356/
كما حدثنا الحجيج عن الجحافل الجرارة من المتسولين يطاردون بجموعهم الحاج، ويحاصرونه من كل جانب، لأجل قشر الفاكهة وفتات الطعام؛ نجود بالمادة على المقابر، ونبخل بها على الأحياء؟ وما كان النبي وأهل بيته ـ وهم الذين حاربوا المترفين، ومن يكنز الذهب والفضة ـ أن يرتضوا هذه الزخارف، وملايين الجياع العراة المصدورين حول قبورهم تكابد الأهوال.
تقدم الحياة في كل مكان إلا في الأمكنة المقدسة، مع أن أهلها أولى الناس بالحياة، لأنهم في أشرف دار، وأعظم جوار، لأنهم في مكان انبعثت منه الحرية والنور، وانطلقت القوى تهدم الشر، وتزلزل الظلم والفساد، بهذا كانت تلك الديار أسمى من كل دار لا بالجواهر واللآلئ.
وقد اتفقت كلمة المذاهب الإسلامية على تحريم نقش المساجد وتزيينها بالذهب لأنها بدعة وإسراف، وذهب الكثير من الفقهاء إلى تحريم زخرفها بالنقش والتصوير، لأن الرهبة والجلال في أسرار العظمة وتواضعها وصفائها، لا في البهارج والمظاهر.
ثم هذه النذورات تلقيها النساء على قبور الأولياء، أين مكان هذا العمل من الدين والشرع؟! تنذر المرأة حليها أو ثيابها أو مبلغاً من المال لصاحب المقام إن حملت أو شفى طفلها من علته، حتى إذا تحققت أمنيتها هرولت إلى القبر، وألقت عليه بأعز ما تملك، أما مصير هذه النذورات فإلى المتولى وأهله يتصرفون بها كيف يشاؤون لا يسألهم عنها سائل، ولا يحاسبهم عليها محاسب، كأنها من عملهم وكسب أيديهم.
لقد أراد الناذر من نذره أن يعمل خيراً يرضى الله وصاحب القبر، ولكنه اعتقد خطأ أن الخير يتحقق بوضع المال على القبر، أي أن الخطأ والاشتباه من الناذر حصل في التشخيص والتطبيق، أما القصد فسليم والارادة صحيحة، فعلى الناذر إذا تحقق مراده أن ينفق ما نذر في سد حاجة ترضى الله والرسول وصاحب القبر وصالح المؤمنين، أي ينفقه في السبيل الذي يختاره صاحب القبر لو كان حيا.