/ صفحه 355/
لو أنفق المال في سبيل أحدهما بقي الآخر. والحكم هنا التخيير بين وفاء الدين، والاستئجار للحج بدون ترجيح(1).
ومن هنا يتبين خطأ القول بأن حق العبد أهم من حق الله، ومقدم عليه، وربما كان الباعث على هذا القول الحديث الشريف: " الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر، وذنب لا يغفر، وذنب لا يترك، فالذي يغفر ظلم الإنسان نفسه، والذي لا يغفر ظلم الإنسان ربه، والذي لا يترك ظلم الإنسان غيره " ولكن هذا الحديث لا يدل من قريب أو بعيد على التفاضل والترجيح بين الحقوق، وإنما يدل على أن بعض الذنوب يمكن فيها التساهل والتسامح، وبعضها يؤاخذ مرتكبها على كل حال.
لا يوجد في الشريعة الإسلامية قاعدة عامة تستتبع تقديم حق العبد مطلقا وفي جميع الحالات، وإنما يختلف التقديم والتأخير باختلاف الموارد، فقد يقدم حق الله، وقد يقدم حق العبد، وقد يتساويان. نعم، الغالب أن تقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إلا فيما ندر، كمن أراد أن يبذل جميع ما يملك في مشروع عام، ويبقي فقيراً معدما.
وخير وسيلة لعرفة الأهم من الحقين النص الثابت وإجماع الأمة، فإن وجد أحدهما تعين الأخذ به، وإلا فالمعول على الفطرة والعقل السليم الذي عبر عنه الشيخ الأنصاري بأنه شرع من الداخل، كما أن الشرع عقل من الخارج (2).
إن الإنسان كما يميز بين النافع والضار، وبين الصالح والطالح يدرك أيضا الأصلح والأنفع، وأي عاقل لا يدرك أن إنفاق تلك الجواهر والنفائس المدفونة في روضة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار، أي عاقل لا يدرك أن إنفاقها لحياة طيبة وعيش أفضل خير عند الله ألف مرة من بقائها في الظلمات تنتظر التلف أو النهب، فلقد حدثنا التاريخ عن نهب الكعبة الشريفة، واختلاس جواهر الروضة النبوية، ونفائس حضرة الإمام الحسين بن الإمام علي،
ــــــــــ
(1) مستمسك العروة الوثقى لمرجع الطائفة السيد محسن الحكيم ج 7 ص 69 الطبعة الأولى.
(2) كتاب فرائد الأصول المعروف بالرسائل باب القطع.