/ صفحه 297/
وقد بين القرافي هذه المسألة في كتابه الفروق، وأتى لها ببعض الأمثلة التي توضحها وتبين أن العرف القولي يحكم على الوضع اللغوي، ويعتبر ناسخا له، ومن قوله في ذلك: " وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد، وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء، لا خلاف فيه، بل قد يقع الخلاف في تحقيقه: هل وجد أم لا … وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام، فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك، فلا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجره عليه، وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح. والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين " (1).
وتالله إنها لوصية ثمينة، وأساس متين من الأسس التي ينبني عليها الائتلاف، وعدم الشطط عند الاختلاف.
* * *
ج ـ ومن أسباب الخلاف في الفهم: أن الكلمة قد تكون مترددة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، فيحملها مجتهد على معناها الحقيقي، ومجتهد على معناها المجازي، مستعيناً كل منهما بما يدله على ما رأي، ويرجحه له.
ومن أمثلة ذلك:
1 ـ أنهم اختلفوا في المقصود من النفي في قوله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ".
منهم من قال: المراد المعنى الحقيقي للنفي، وهو الإخراج من الأرض، وذلك أنه لم يجد في نظره مانعاً من إرادة الحقيقة وهي الأصل الذي يصار إليه ويترجح المراد من الألفاظ به حين لا تصرف عنه قرينة، فجعل إخراج المفسد المحارب من الأرض التي ارتكب فيها جرائمه، عقوبة من العقوبات، ورآها عقوبة جرت
ــــــــــ
(1) المصدر نفسه ص 176، 177.