/ صفحه 296/
الزنا نفسه ـ ثم يقول ابن حزم: " وقد شاركهم المالكيون في بعض ذلك فردوا شهادة المحدود فيما حد فيه وأجازوها فيما لم يحد فيه " (1).
ب ـ وقد يكون الاختلاف راجعاً إلى تردد اللفظ ـ مفردا كان أو مركبا ـ بين أن يكون مقصوداً به المعنى اللغوي، أو معنى عرفي اشتهر فيه.
مثال ذلك اختلاف ابن القاسم وأشهب من المالكية فيمن قال: " والله لا آكل رءوسا ".
وذلك أن لفظ الرءوس في اللغة صالح لأن يراد به كل الرءوس دون تفرقة بين رءوس الأنعام ورءوس الأسماك مثلا، ولكن العرف القولي جرى على أن لفظة الرءوس إذا ذكرت بجانب الأكل فالمراد بها رءوس الأنعام خاصة، فلا يكاد الناس يركبون لفظ (أكلت) مع الرءوس إلا وهم يقصدون رءوس الأنعام بخلاف لفظ (رأيت) ونحوه، فإنهم يركبونه مع رءوس الأنعام وغيرها.
فالعبارة التي حلف بها الحالف إن حملت على معناها اللغوي، فإنه يحنث إذا أكل شيئاً من رءوس الأنعام أو من رءوس غيرها، وذلك هو رأي ابن القاسم، وإن حملت على المعنى العرفي الذي نقل التعبير اليه؛ فإنه لا يحنث إلا إذا أكل شيئاً من رءوس الأنعام خاصة.
وابن القاسم وأشهب لا يختلفان في أصل القاعدة، وهي تقديم النقل العرفي على الوضع اللغوي، ولكنهما يختلفان في كون هذه العبارة، وهي: (لا أكلت رءوسا) قد غلب عليها المعنى العرفي حتى أصبح هو المتبادر منها، فابن القاسم يسلم استعمال أهل العرف لذلك، ولكنه يقول إن هذا الاستعمال لم يصل إلى الغاية الموجبة للنقل، وأشهب يرى أنه وصل إلى هذه الغاية، وفي ذلك يقول شهاب الدين القرافي: " وضابط النقل أن يصير المنقول إليه هو المتبادر الأول من غير قرينة، وغيره هو المفتقر إلى القرينة، فهذا هو مدرك القولين، فاتفق أشهب وابن القاسم على أن النقل العرفي مقدم على اللغة إذا وجد واختلفا في وجوده هنا، فالكلام بينهما في تحقيق المناط " (2).
ــــــــــ
(1) الأحكام لابن حزم ج 4ص 24.
(2) الفروق القرافي ج 1 ص 175.