/ صفحه 293/
فطلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل اليهما بالصداق كاملا وقال: أنا أحق بالعفو منها ـ قال الله تعالى: " إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ".
وأيدوا ذلك بحديث رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " وليٌّ عقدة النكاح هو الزوج ".
وإذن تكون الآية ـ على هذا ـ قد جعلت العفو تارة من الزوجة بأنها تسقط حقها إذا شاءت، وتارة من الزوج بأنه يهب النصف الآخر لمن طلقها إذا شاء (1).
فقد تبين أن أساس الخلاف بين المختلفين في مسألة " القرء " ومسألة " والعفو " راجع إلى الاحتمال الذي وجد في التعبير بلفظ مشترك صالح لأن يراد به أكثر من معنى، فاحتاج الحمل على أحدهما إلى قرينة تعين عليه وترجحه، وهذا ما فعله كل من الفريقين.
3 ـ ومن ذلك أنهم اختلفوا في فهم قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء باجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ".
وذلك أن هذه الآية قررت عدة أحكام مترتبة على القذف، ثم جاءت باستثناء، فالأحكام هي:
1 ـ الجلد المفهوم من قوله تعالى: " فاجلدوهم ثمانين جلدة "
2 ـ وعدم قبول الشهادة المفهوم من قوله تعالى: " ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ".
3 ـ وكون القاذف فاسق، وهو مفهوم من قوله تعالى: " وأولئك هم الفاسقون " وقد جاء الاستثناء بعد هذه الجمل المتعاطفة، فهل يعود إليها كلها؟ أو يعود إلى الجملة الأخيرة فقط.
فقال شريح القاضي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة: يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط، وبذلك لا تكون الآية مفيدة أن التوبة من القذف ترد للتائب ما كان منعه من مركز الشهادة، بل يظل القاذف بعد التوبة غير مقبول الشهادة.
ــــــــــ
(1) راجع تفسير القرطبي ص 206 ج 3، وبداية المجتهد ص 20 ج 2.