/ صفحه 291/
وقد استدل اللذين يرونها الأطهار، بما نقل عن ابن الأنباري اللغوي المعروف من أن القرء الذي هو الحيض يجمع على أقراء لا على قروء، وعلى ذلك جاء الحديث: " دعى الصلاة أيام أقرائك ".
ومما استدلوا به أيضاً القاعدة التي تقول: إن العدد يذكر مع المؤنث، ويؤنث مع المذكر كما في قوله تعالى: " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما " والحيضة مؤنثة، والطهر مذكر، فلو كان المراد الحيض لقال: " ثلاث قروء " فلما قال: " ثلاثة قروء " علمنا انه يعد أشياء مذكرة وهي الأطهار.
ويتعقب البطليوسي هذا بقوله: " وهذا لا حجة فيه عند أهل النظر، وإنما لم يكن فيه حجة لأنه لا ينكر أن يكون القرء لفظاً مذكراً يعني به المؤنث، ويكون تذكير " ثلاثة " حملا على اللفظ دون المعنى، كما تقول العرب: جاءني ثلاثة أشخص وهم يعنون نساء، والعرب تحول الكلام تارة على اللفظ، وتارة على المعنى، إلا ترى إلى قراءة الفراء: " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها " بكسر الكاف والتاء وفتحهما.
واستدل الآخرون بأحاديث فيها التعبير بالحيض في هذا المقام، كحديث عائشة: " أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض " وحديثها الآخر: " طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان " وحديث ابن عمر: " عدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان ".
ومما تمسك به القائلون بأنها الحيض أن العدة إنما شرعت لتبين براءة الرحم، وإنما يكون هذا التبين بالحيض لا بالطهر.
قال ابن رشد في كتابه " بداية المجتهد "، بعد أن ذكر ما يحتج به كل فريق: ولكلا الفريقين احتجاجات طويلة، ومذهب الحنفية ـ أي القائلين بأنها الحيض ـ أظهر من جهة المعنى، وحجتهم من جهة المسموع متساوية أو قريب من متساوية (1).

ــــــــــ
(1) بداية المجتهد: ص 74 ج 2 طبعة صبيح.