/ صفحه 269/
في نظرهم، بمنزلة الصلاة والصوم وما إليهما من الفروض العينية، حتى إنهم ليرون أن من تركه مع القدرة عليه وعلى أعبائه يكون إثمه إثم من ترك ركنا من أركان الدين الإسلامي. ويستدلون على ذلك بعدة آيات وأحاديث ورد فيها طلب النكاح بصيغة الأمر، ذاهبين إلى أن الأمر المطلق للفرضية والوجوب. وذلك كقوله تعالى: " فانحوا ما طاب لكم من النساء " وقوله: " وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم " وقوله عليه الصلاة والسلام: " تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن " وقوله: " من استطاع منكم الباءة (1) فليتزوج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء " (2)، وقوله: " تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة " وقوله: " النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني " (3).
وحتى معظم فقهاء المسلمين الذين لم يذهبوا إلى حد القول بفرضية الزواج على الإطلاق ينزلونه منزلة تقرب من منزلة الواجب، ويقولون بوجوبه إذا خشى الفرد الوقوع في المحرم، فلا خلاف بينهم في أن العزوبة تتنافى مع الأوضاع الإسلامية الصحيحة، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: " من تزوج فقد أحرز نصف دينه " ويقول: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له بخير " والولد الصالح لا يكون إلا ثمرة لزواج مشروع.
وأما ما ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من أحاديث ترغب الناس في التبتل، كقوله: " خيركم من لم يتزوج بعد المائة أو بعد الألف " ـ أي من التقويم الهجري ـ فهي أحاديث موضوعة تتعارض مع روح الإسلام وتعاليمه. ويظهر أنها تعبر عن اتجاهات مسيحية تسربت إلى بعض بلاد المسلمين، أو عن اتجاهات الغلاة من المتصوفين.

ــــــــــ
(1) الباءة والباء النكاح، وبوأ تبويئاً نكح. اهـ، القاموس؛ والمعنى من قدر منكم على أعباء الزواج فليتزوج.
(2) يطلق الوجاء على رض عروق الخصية من غير إخراج فيكون شبيها بالخصاء، لأنه يكسر الشهوة، اهـ، المصباح؛ والمعنى من لم تكن له قدرة على أعباء الزواج فليصم، فإن في الصيام إضعافاً للنزوات، ووقاية للعفة، وصيانة للنفس من الوقوع في المحظور.
(3) انظر في ذلك بدائع الصنائع للكاساني، كتاب النكاح ج 2 ص 228.