/ صفحه 255/
وقد أقسم أن يعاون أبناء ذي النون على الاحتفاظ بملكهم، وقد غدر بالعهود المعقودة، والمواثيق المكتوبة، وحاصر أصدقاءه الذين حموه من أخيه في طليطلة عندما واتته الفرصة، وكان لجوءه إلى طليطلة معينا له على فتحها لأنه أصبح عارفا بها وبمسالكها وبالأماكن الضعيفة التي تؤتى منها، فكان ملوك طليطلة بحمايتهم الفونسو يشحذون المدى التي سيذبحون بها، ويصنعون القيود التي سيكبلون فيها.
هذه واحدة، والثانية أن المعتمد بن عباد ملك إشبيلية كان شديد الطمع في أن تخضع له الأندلس المسلمة كلها، وكان في ذلك الوقت يريد أن يملك غرناطة وسرقسطة وبطليوس، ولن يستطيع ذلك وهو يخاف الفونسو ملك قشتالة، فسعى لعقد معاهدة معه فأرسل مفاوضه الوزير ابن عمار ففاز بعقد هذه المعاهدة، وقد تعهد فيها الفونسو أن يعاون أمير إشبيلية بالجند المرتزقة في حرب جميع أعدائه من المسلمين، وتعهد المعتمد في مقابل ذلك أن يدفع إلى ملك قشتالة مقادير كبيرة من المال، وألا يعترض مشروع الفونسو في افتتحاح طليطلة، وهكذا ضحى المعتمد ابن عباد بمعقل الأندلس في نظير أن يفوز ببضع إمارات.
ولقد اقتنع المعتمد بعد، أنه بمعاهدته تلك كان يعين ملك النصارى على نفسه وعلى جميع المسلمين في الأندلس، فإنه رأى الفونسو ما كاد يفتح عاصمة القوط القديمة طليطلة في السابع والعشرين من المحرم سنة 478 هـ، وعادت إلى حظيرة النصرانية بعد أن مكثت في حكم الإسلام ثلاثمائة واثنتين وسبعين سنة، حتى اتخذها عاصمة ملكه وتطلعت نفسه إلى امتلاك غيرها حتى ما كان تحت يد ابن عباد فجزع المعتمد وساوره الندم على تحالفه مع ملك النصارى، وعاد باللوم والتعنيف على وزيره ابن عمار الذي عقد هذا الحلف، وقبض عليه والقاه في السجن ثم قتله بيده، ولكن هذا الجزع لم يرد فائتا، فقد نفذ القضاء، وأعانوا عدوهم على أنفسهم، وجدعوا أنوفهم بأيديهم وخربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم المتحفزين.
أخذ الفونسو بعد ذلك يوغل فتحاً في بلاد المسلمين، وهنا رأى أمراء المسلمين الخطر المحدق بهم، ورأوا شبح السقوط ماثلا بين أعينهم فاتحدوا لأول مرة في