/ صفحه 243/
اللاديني ينتهي دائما بالسقوط في هاوية المادية، ولكنه بكل أسف يجر معه الدين أيضا.
هذه هي السيطرة الطبيعية لازدهار الأديان وذبولها، ما لم تجد عوامل لها تأثيرها تساعد الدين على النمو أو تسرع به إلى الاندثار كالحروب والسياسات، ومن هذا يبدو جليا أن نقطة التحول الحقيقية تبدأ عند فصل التعليم عن الدين، وكم كان رجالنا الأقدمون حكماء حين بنوا المدارس بجانب المساجد، فإنه مهما تطورت تلك المدارس بتطور العلوم، بقي الدين في مركز الموجه وبقي السلطان فيها للفضيلة وللفضيلة وحدها، والدين صمام الأمان للعلوم، به لا تنحرف عن كونها نورا يضيء للبشرية، ولا تنجرف إلى خدمة الشرور والاثام.
إن التجاوب بين الدين والمجتمع لابد أن يأتي من دور التعليم، وهناك حقيقة تؤيد ذلك لمستها بنفسي ورأيتها بعيني في آخر آسفاري إلى الخارج. ففي قرية كبيرة أو بلدة صغيرة هي إحدى المراكز الجبلية التي يؤمها المصطافون، رأيت قس القرية هو صاحب الكلمة في مواطنيه وموضع التكريم والاحترام، وكان كثير التودد إلى القادمين والمصطافين، يزور كثيرين منهم ويعرض خدماته على الجميع، سألته ونحن في أحد شوارع البلدة بعد أن لمست ترحيب الشيوخ والشباب به، عن سر هذا الترحيب، فما كان منه إلا أن أشار بيده إلى بناية قريبة وقال بالفرنسية ما معناه: هذه البناية كنيسة وبجانبها مدرسة كما ترى، فنحن نربي هؤلاء صغارا ونربطهم بالكنيسة فينشأون متدينين، فهم تلامذتنا ومريدونا.
هذا ما رأيته في بلد لا ديني يكثر فيه السياح ـ وللسياح تأثيرهم ـ ورغم هذا فقد نجح الرجل أيما نجاح في ربط قلوب التلاميذ بالدين، وهو فيما عمل لم يجاوز ما كان يعمله المسلمون قديماً من جعل المدرسة بجانب المسجد.
إن العالم الذي نعيش فيه ملئ بالأفكار الهدامة، مشحون بالسياسات المختلفة