/ صفحه 218/
في البحث مع السهولة واليسر والبعد عن التشدد، والتخفف من المذهبية الخاصة إلى حد بعيد والرجوع إلى القرآن نفسه بتفسير بعضه ببعض، والنأي به عن الأقوال التي لا تصح من الروايات الكثيرة المختلفة، وعن الآراء التي ترجع إلى تأويل آياته حتى توافق نظراً علمياً، أو تقليداً مذهبياً، أو أصلا كلامياً، أو فلسفة خاصة، أو تجديداً حديثاً.. إلى غير ذلك مما تلمحه في بعض التفاسير القديمة والحديثة.
ومما قاله في بيان منهجه: (نفسر القرآن بالقرآن، ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، ونشخص المصاديق، ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الايات، كما قال تعالى: (إنا أنزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) وحاشا أن يكون القرآن تبيانا لكل شيء، ولا يكون تبيانا لنفسه، وقال تعالى: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) وقال تعالى: (إنا أنزلنا إليكم نوراً مبينا) وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانا ونورا مبينا للناس في جميع ما يحتاجون، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه. وهو أشد الاحتياج؟ وقال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وأي جهاد أعظم من بذلك الجهد في فهم كتابه، وأي سبيل أهدى إليه من القرآن؟) (1).
ومن أبرز مزايا هذا التفسير أنه يعني بعد شرح الآيات وبيان معناها، ببحث الموضوعات الهامة، والقضايا التي كثيراً ما شغلت الأذهان في القديم والحديث، بحثاً مستمداً من آيات القرآن نفسها، وقد قرأنا من هذا ما كتبه عند تفسيره لقوله تعالى: " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وأدعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ـ ولن تفعلوا ـ فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " إذ بحث بحثا جيداً في إعجاز القرآن من جهاته المختلفة في بلاغته وقوة أسلوبه، وتحديه بالعلم، وبالإخبار عن الغيب، وبمن انزل عليه القرآن، وبعدم الاختلاف فيه،

ــــــــــ
(1) ص 9 من الجزء الأول من الميزان.