/ صفحه 179 /
ما نهى عنه، حتى كان في حقه من أعلام نبوته وشواهد رسالته ". " ومما يدل على صحة ذلك قوله تعالى: " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " فهذا صريح في أن الحلال كان طيبا قبل حله، وأن الخبيث كان خبيثا قبل تحريمه، ولم يستفد طيب هذا وخبث هذا من نفس الحل والتحريم، فإنه بمنزلة أن يقال: يحل لهم ما يحل، ويحرم عليهم ما يحرم، فثبت أنه أحل لهم ما هو طيب في نفسه قبل الحل فكساه بإحلاله طيبا آخر فصار منشأ طيبه من الوجهين معاً، ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى: " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وهذا دليل على أنها الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وهذا دليل على أنها فواحش في نفسها لا تستسنها العقول فتعلق التحريم بها لفحشها، فإن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على أنه هو العلة المقتضية له، والعلو يجب ان تغاير المعلول، فلو كان كونه فاحشة هو معنى كونه منهياً عنه، وكونه خبيثاً هو معنى كونه محرما، كانت العلة عين المعلول وهذا محال " ومن ذلك قوله تعالى: " ولو لا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لو لا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين " فأخبر تعالى أن ما قدمت أيديهم قبل البعثة سبب لإصابتهم بالمصيبة، وأنه سبحانه وتعالى لو أصابهم بما يستحقون من ذلك لاحتجوا عليه بأنه لم يرسل إليهم رسولا، ولم ينزل عليهم كتاباً، فقطع هذه الحجة بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهذا صريح في أن أعمالهم قبل البعثة كانت قبيحة بحيث استحقوا أن تصيبهم بها المصيبة، ولكنه سبحانه وتعالى لا يعذب إلا بعد إرسال الرسل، وهذا هو فصل الخطاب، وتحقيق القول في هذا الاصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه، وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إرسال الرسل ".
ومن هذا يتبين أن ابن القيم يأخذ من المعتزلة قولهم بالحسن والقبح العقليين وأن الشرع لا ينشئ في الاشياء حسنا ولا قبحا، بل يؤكد الحسن بالحل، والقبح بالتحريم، ولكن ابن القيم في الوقت نفسه ينفي أن يكون التعذيب على القبائح إلا بعد إقامة الحجة بالرسالات والكتب.