/ صفحه 178/
الخلاص والسلامة، وشغل نفسه بالعمل النافع، متوفراً عليه، مستريحا من السير في طريق طالما زلت فيه الأقدام، وتحيرت الأفهام.
2 ـ ومن الأمثلة في هذا المقام أيضاً اختلاف الأشاعرة مع المعتزلة والامامية في مسألة الحسن والقبح العقليين، وفالأشاعرة يقولون: لا حسن إلا ما حسنه الشرع، ولا قبيح إلا ما قبحه الشرع، وأنه تعالى لو خلد المطيع في جهنم والعاصي في الجنة لم يكن قبيحاً، لأنه يتصرف في ملكه ولا يسأل عما يفعل، وليس للعقل حكومة ولا إدراك للحسن والقبح في حق الله تعالى، أي أنه ليس له وظيفة الحكم بأن هذا حسن من الله، وهذا قبيح منه ـ تعالى الله عن ذلك ـ.
أما المعتزلة والامامية فقالوا: إن الحاكم في ذلك هو العقل مستقلا، وجاء الشرع مرشداً لحكمه أو مؤكداً له، والعقل يحكم بحسن بعض الافعال وقبحها، ويحكم بأن القبيح محال على الله لأنه حكيم وفعل القبيح مناف للحكمة، وتعذيب المطيع ظلم، والظلم قبيح مناف للحكمة، لا يقع منه تعالى (1).
وينبغي أن يعلم أن نظرية الحسن والقبح ـ وإن نسبت إلى المعتزلة أو الامامية ـ يقول بها بعض علماء السنة، ومنهم ابن القيم، قال في كتابه " مفتاح دار السعادة " (2) " فمن جوز عقله أن ترد الشريعة بضدها من كل وجه في القول والعمل، وأنه لا فرق في نفس الأمر بين هذه العبادة وبين ضدها، من السخرية والسب والبطر وكشف العورة والبول على الساقين والضحك والصفير وأنواع المجون وأمثال ذلك، فليعز في عقله، وليسأل الله أن يهبه عقلا سواه " وقد سئل بعض الأعراب فقيل له كيف عرفت ان محمداً رسول الله؟ فقال: ما أمر بشئ فقال العقل ليته ينهى عنه، ولا نهى عن شئ فقال العقل ليته أمر به، فهذا الأعرابي أعرف بالله ودينه ورسوله من هؤلاء، وقد أقر عقله وفطرته بحسن ما أمر به وقبح
ــــــــــ
(1) راجع كتاب (القواعد الكبرى) لعز الدين بن عبد السلام ص 192 / 193 ج 1 وفي أمثلة عدة للإختلاف في الفروع الكلامية مع الاتفاق على الأصل.
(2) ص 329 وما بعدها: الطبعة الثانية سنة 1358 هـ، 1939 م.