/ صفحه 138/
ويقوم أخلاقها، فلم يكن عمال الخليفة جباة صدقات وخراج فقط، بل كان معهم علماء مرشدون، ولقد كان عمر بن الخطاب الامام العادل يقول لعماله: ((انى لا أرسلكم لتضربوا أبشار الناس، ولكن لتعلموهم دينهم.))
والطريق الثانى: أن يرسل أهل كل طائفة أو قبيلة الى مهد العلم نفراً يتفقهون فى دينهم، ويعودون اليهم هداة مرشدين، ولذلك قال سبحانه: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين، ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون)).
15- وهكذا نجدالتعاون على العلم والهداية بجوار التعاون على الحياة والعيش.
وهناك فى نظم الاسلام ما يقرر وجوب التعاون على منع الجرائم، وذلك بأن جعل على القبيلة غرماً مالياً تشترك به مع الجانى من الجناة اذا وجبت عليه الدية، ولم يكن عنده مال يكفى لسدادها، اذ أن عصبته تشاركه فى أدائها. وهى ملزمة فى ذلك غير مخيرة.
وان هذا بلا ريب يربى فى القبيلة والاسرة شعوراً بالتعاون لمنع الجريمة لكيلا يكون غمرها عليهم، اذ أن شعور كل واحد من القبيلة بأنه ملزم بجزء من الدية فى كل جرم يرتكبه واحد منها يدفعه الى الحرص على تجنب ذلك، ومنع غيره من ارتكاب ما يؤدى الى هذا الغرم المالى، وهكذا تتضافر القوى كلها على منع الاثم، والتشجيع على البر، فيكون الخير عميماً ويختفى الشر، ولا يظهر.
16- هذه صور واضحة للمجتمع الإسلامي الصغير، وعمل الاسلام على النهوض به بالتآخى بين آحاده، ثم التعاون على العمل الجدى المثمر، ثم بالتهذيب و بث روح الدين والاخلاق الفاضلة الكريمة التى تربط القلوب، وتوحد النفوس ثم بتطهير المجتمع من الاثام، ومنع الظلم مطلقاً، فان الظلم أقبح خلائق الانسان و أكثرها جمعاً للشر.
ولو أن المجتمعات الصغيرة قامت على هذه المبادىء فى عصرنا لكانت أهدى سبيلا، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه.