/ صحفة 435 /
وإنما هو كناية عن الفورج، وكذلك قولهم في قضاء الحاجة: جاء فلان من الغائط، وإنما الغائط الوادي، قال عمرو بن كعب الزبيدي:
وكم من غائط من دون سلمي قليل الأنس لس به كتيع(1)
والحق أنه بتع في هذا الضرب من الكناية أستاذه الجاحظ، فقد تعرض أبو عمرو للكناية، وذكر بعض هذه الأمثلة، قال، ويقال لموضع الغائط الخلاء والمذهب والمخرج والكنيف والمرحاض والمرفق، وكل ذلك كناية واشتقاق، وهذه أيضاً يدلك على شدة هربهم من الدناءة والغسولة والفحش والقدح.
وفي هذا المقام يكشف المبرد عن ثلاثة أنواع مما اصطلح عليه المتأخرون من علما البيان، الحقيقة، والاستعارة، والكناية، وموضع إشارته إلى الاستعارة في هذا الكلام هو قوله (وما يقع مثلا) وذلك أنه كان يطلق هذه الكلمة على ما كان يطلق عليه فيما بعد الاستعارة (والجاحظ قد استعمل في هذا الموضع اللفظين: الاستعارة، والمثل) ذكر المبرد قول القطامي:
نَقريهم لهذميات نقدّ بها ما كان خاط عليهم كل زَرّاد
وقال: لأن الخياطة تضم خرق القمص، والسرد حلق الدرع، فضربه مثلا، فجعله خياط، ويفسر كلمة الطبع في قول أحد الشعراء بأنها مأخوذة من طبع السيف وسيف طبع، إذا ركبه الصدأ حتى يغطي عليه، ثم يقول: والمثل من هذا في الذي طبع على قلبه، إنما هو تغطية وحجاب، يقال طبع الله على قلب فلا، كما قال جل وعز: ((طبع الله على قلوبهم وعلي سمعهم)) وكذلك رِين على قلبه، وغين على قلبه، ويذكر قول الشاعر من أبيات:
فوحق البيان يعضده البر ها في مأقط ألد الخصام
ثم يقول: المأقط موضع الحرب، فضربه مثلا لموضع المناظرة والمحاجة، هذا، مع أن أبا العباس يستعمل كثيراً كلمة المثل في معناها الذي تعارف عليه الناس.
ــــــــــ
(1) أي أحد.