/ صحفة 429 /
فهي سياسة مقررة من قديم الزمان، ولابد عندهم أن تكون السيادة للغرب على الشرق، كما كان في عهد اليونان والرومان.
ثم اشتد أذي قريش على المسلمين في أوائل الإسلام أيضاً، فلم تتطلع نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا إلى أرض مسيحية يهاجر من يشاء منهم إليها، إذا لم يمكنه الصبر على ما يناله من الأذي، وخاف أن يفتن في دينه فيدتد إلى الشرك، فاختار لهم أرض الحبشة المسيحية، وآثرها على أرض الروم المسيحية، مع ما كان من ميله إليها في المنافسة بينها وبين أمة الفرس، لأن مسيحية الحبشة كانت مسحية شرقية خالصة لم تدنسها المطامع السياسية التي دنست مسيحية الروم الغربية فجعلتها هذه السياسة تؤثر أن يبقى العرب على جاهليتهم، ليبقوا في جهلهم وتأخرهم، ويستغلوا من يمكنهم استغلاله منهم في حروبهم، ولا تتطلع نفوس من وقت تحت سيادتهم منهم إلى التخلص من ذل هذه العبودية، والتمتع بنعيم الحرية، والإيمان بدين يوصلهم إلى هذه الأمنية العزيزة، وينشر بينهم وسائل الحضارة والثقافة، حتى يساووا فيهما غيرهم من الأمم.
وكانت المسيحية الشرقية الحبشية البريئة من المطامع السياسية عند حسن ظن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها، فقد جمع من آمن به وقال لهم حين اشتد الأذى عليهم: تفرقوا في الأرض، فإن الله سيجمعكم. فقالوا: إلى أين نذهب؟ قال: ههنا، وأشار بيده إلى ارض الحبشة وفي رواية أنه قال لهم: اخرجوا أي جهة أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم أحداً وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه.
فلما وصلوا إلى أرض الحبشة نزلوا بخير دار، عند خير جار، وقد بعثت قريش خلفهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة بهدية إلى النجاشي، ليردَّ من جاء إليه من المسلمين، فلما جاءا إليه قالا له: إن نفراً من بني عمنا نزلوا أرضك فرغبوا عنا وعن آلهتنا، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قريش لتردوهم
إليهم. فقال: وأين هم؟ قالوا: بأرضك.