/ صحفة 402 /
قال: صه! فإنمكك تركب الكلام ومعانيه تركيباً جهلياً، وإلا فما وجه العجب في أن يلتم الأدب والشريعة الإسلامية.. إنها لحقيقة قديمة قدم الإسلام نفسه تلك التي تغفل عنها، والظاهر أن الغافلين عنها قد كثروا في هذه الأيام، حتى أصبح من جملتهم بعض الخاصة، ذلك بأن القوم منذ الصدر الأول وقد بدأت الدراسة العلمية قد تبينوا وبينوا أن لدراسة الأدب غرضين: غرضاً أدنى وآخر أعلى، فأما الغرض الأدني فهو أن يحصل للناظر في اللغة والشعر وما إليهما ملكة المنظوم والمنثور، ومتى حصلها فهي حسبه وكفى، ما دام هذا مدى هتمه، فأما أن يسمو إلى الغرض الأعلى، وهو القدرة على استنباط الاحكام من كتاب الله وسنة رسوله فعليه أن يواصل البحث والدرس كي يحيط بهذه اللغة العربية إحاطة تمكن له أن يدرك أسرارها، وإلا فكيف تتصدى للقرآن وهو الأدب المثالي لهذه اللغة وأنت تجهل بعض سرها في حين أنه هو سرها الأعظم.. الأدب إذن هو بعض أدوات الفقيه المسلم، بعضها لا كلها.. إن الكرام الكاتبين في أيامنا هذه ـ وكثيرٌ ما هم ـ يجهلون هذه الحقيقة التاريخية الكبرى وهم لا يعرفون من لغة القرآن إلا قدر ما يعرف البائعونه والبائعات في البيوتات التجارية من لغة ((بلزاك)) و ((فيكتور هيجو)) وأحسبني علم الله تجاوزت بأولئك قدرهم فليس من شك أنك مُلفٍ بي البائعين والبائعات من الفرنسيين والفرنسيات من يحسنون فهم لغتهم إحسانا يرضى عنه العلماء.
قلت: إذا كانت اللغة والأدب بعض أدوات الفقيه لا كلها، فتلك حقيقة أولى بكم ثم أولى أن توجهوا إليها الفقهاء والمتفقهين، لا الكاتبين الذين يسودون وجوه الصحف بما شاءوا من هراء، هو الزبد يذهب جفاء أو هو الورق مصيره إلى الحوانيت والدكاكين كي يلف به ما يجشو المصير في البطون، إذ هو غير ملتف على غذاء الأدمغة والعقول.
قال: أرى أبصار الفقهاء والمتفقهين متجهة وليست في حاجة إلى توجيهك.. ولكنه حلم الحلماء يغرى بهم السفهاء... وها قد نودي للصلاة فلتسع إلى ذكر الله وقية الحديث تأتي إن شاء الله.