/ صحفة 394 /
بذلك إيماناً، ونشأ عليه الناشيء، ورُربَي به الطفل، فصار أحدهم حين يتوسط الفيافي، وتشتمل عليه الغيطان في الليالي الحنادس فعند أول وحشة أو فزعة وعند صياح بوم ومجاوبة صدى، تجده وقد رأي كل باطل، وتوهم كل زور، وربما كان في الجنس وأصل الطبيعة نفاجا كذاباً وصاحب تشنيع وتهويل، فيقول في ذلك من الشعر على حسب الصفة، فعند ذلك يقول: رأيت الغيلان، وكلمت السعلاة، ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول قتلتها، ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول رافقتها، ثم يتجاوز ذلك إلى أن يقول تزوجتها.
ومما زادهم في مذاهب الباب وأغراهم به ومد لهم فيه، أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابياً مثلهم، وإلا غبيا لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يوجب التكذيب أو التصديق أو الشك، ولم يسلك سبيل التوقف والتثبت في هذه الأخبار قط، وإما أن يلقوا راوية شعر أو صاحب خبر، فالرواة عندهم: كلما كان الأعرابي أكذب في شعره كان أظرف، وصارت روايته اغلب، ومضاحيك حديث أكثر((.
أعرابي وراوية: هذان هما الأصل الأول لما نحن فيه، ثم جاء الثالث، أو ((ثالثة الأثافي)) فيما بعد، وإنما أعنى فئة القاصين.. فهؤلاء جماعة فرضوا أنفسهم فرضاً على المجتمع الإسلامي، واتقسموه فيما بينهم فثم قصاصو العامة تتحلق الناس حولهم، وهناك قصاصو الأمراء والأشراف وأصحاب الفراغ والجدة ومن إليهم ممن يقطعون الوقت في الاستماع إلى غريب الخبر، ولا عليهم أن يكون ما يسمعون قد وقع حقيقة أو خيالا، فإذا أضيف إلى العوامل الذاتية الفردية دوافع اخر تمتُّ إلى السياسة وتثبيت السلطان ـ فإن مجتمعنا الأول كان حريصاً على أن يشرك عالمن الجن في شؤونه العامة ـ كان لنا ثروةٌ أيةُ ثروة من التكاذيب أو ما يسمونه الميثولوجيا.
قلت: لو عني المسلمون بتنقية الشريعة من هذه الأكاذيب! فلست أشك في أنها تسىء إلى الإسلام إساءة بالغة، وهي منبثة في كتب التفسير والحديث