/ صحفة 389 /
ولكن معاصري النبي أنفسهم لم يأخذوا الإسراء أخذ المسلمات، بل ناقشوه، فألحد به أبو جهل ومعسكره، وشك به نفر ممن أسلموا فرفض تصديقه قبل امتحان النبي، إذ صألوه أن يصف بيت المقدس ـ ولم يكن رآه من قبل ـ فوصفه بما يعرف مشاهدوه من صفاته. وغلا بعض سامعي الحديث، فأرجف المشركون وارتد جملة ممن كانوا أسلموا كما يروي الكشاف.
وقد أشفقت أم هانئ من وقع الخبر على قومه حين حدثها به غب عودته، وتشبثت به تمنعه من الخروج، وهو يهم به ليحدث القوم بما رأى وسمع في بيت المقدس من الأرض، وفي (البيت المعمور) و (سدرة المنتهى) من السماء، ولكنه خرج على رغمها فواجه إنكار المنكري، وجابه إرجاف المرجفين، ثابتاً لامتحاناتهم المختلفة، ولما لم يقنعهم وصفة البيت كما عرفه مشاهدوه منهم، سألوه أن يخبرهم عن قافلة تجارتهم، قال ف ((الكشاف)): فأخبرهم بعدد جمالهم وأحوالها، وقال: ((تَقدم يوم كذا مع طلوع الشمس، يعدمها جمل أورق)).
قال الزمخشري: ((فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو (الثنية)، فقال قائل منهم: هذه ـ والله ـ الشمس قد أشرقت، فقال آخر: وهذه العير قد أقبلت، يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إال سحر مبين)).
ونحن لا ندري مبلغ هذا القصص من الصحة. ولا تمنعنا القواعد والأصول الإسلامية من الشك به، فالثابت من حديث الإسراء إنما هو ما ذكره القرآن، وهو القدر الذي يلزمنا الإيمان والعلم بالأخذ به، أما ما يطيب للأخباريين والقصاص تخيله ـ وقد يتخيلونه لأسباب وجيهة في أيامهم ـ فلا يلزمنا، كما لم يلزم عقلاء تلك الفترة وعلماءهم، فقد روت عائشة أن النبي إنما عرج بروحه، ورأى معاوية رأيها، وعن الحسن البصري أن الإسراء كان مناماً لا يقظة.
وليس يضير الحق في المعجزة الحق أن يكون الإسراء عروجا روحياً، ولا ينقض عليها هذا الرأي من أمرها شيئاً، فقوة المعجزة لا تستمد من شكل الحادث، بل من غايته ومغزاه، والمغزي من حديث الإسراء هو اتصال النبي بالروح الكلي.