/ صحفة 321 /
والمشاهد أن الصلاة يسيرة على المؤمن محببة إلى قلبه، على حين أنها شاقة على غيره، مصداق ذلك قوله تعالى: ((وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)) فالذين لا يدركون فوائدها، ولا يشعرون بلذتها نجدهم يتوانون في أدئها، وقد عرف القرآن فيهم ذلك فوصفهم بأنهم: ((إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى)) ليس قصدهم توثيق الصلة بينهم وبين الله، وإنما ((يرائون الناس)) حتى يقال فيهم إنهم مصلون.
وليس أدل على أهمية الصلاة وعظم شأنها في نظر الشريعة الإسلامية من أنها كانت أول ما جاء لتعليم المؤمنين أدب معرفة العبد بربه، وكيفية خروج النفس الناطفة من عالم الجسم إلى عالم الروح بأدائها خمس مرات في اليوم والليلة.
كما اختصت بفاتحة الكتاب أو السبع المثاني، يرددها المصلي في كل ركعة، وفيها حمد الله، وتخصيصه وحده بالعبادة، وأنه _ سبحانه _ المستعان في كل حال، ومنه تطلب الهداية والغفران، وفي كل هذا تهذيب للنفوس وتطهير للأرواح من أرجاس الشرك، وأدناس الكفر، الأمر الذي أهاج المشركين وجعلهم يتربصون الدوائر بالمصلين، ويترصدونهم في كل مكان ليبطشوا بهم عند مايرونهم قد أقاموا هذه الصلاة التي ميزتهم، فصاروا بها مثلا عاليا لسمو الدين الجديد، وتعاليمه القويمة الحكيمة، على أن هذه المحاولات العدائية لم تكن لتمنع النبي وصحبه الابرار من إقامة الصلاة ومتابعة أدائها في أوقاتها الخاصة من غير ما خوف ولا خشية غير مكتفين بأداء الفروض، بل كانوا يهتمون بالنوافل _ وخاصة بالليل _ اهتماما لا يقل عن اهتمامهم بالفرض نفسه.
وكانوا يحتملون _ في سبيلها كل عنت ونصب يلحق بهم، ولا عجب حين نجد الرسول الكريم _ صلوات الله عليه _ يُسَرُّ بإقامتها، ويطيب له الاستغراق فيها، حتى كانت قرة عينه كما ورد في الحديث الشريف: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
هذا. ولقد اقتفى أصحابه والاقربون إليه أثره في الصلاة، ولم يكن يشغلهم