/ صحفة 318 /
بحسب الاشارة لا بحسب هيجان شهوة النفس. والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد فإنه تارة يكون مروضا مؤدبا، وتارة يكون جموحا.
فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا، ومن اعتدل فيه بعضها دون البعض فهو حسن الخلق بالاضافة إلى ذلك المعنى خاصة، كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون بعض.
الغزالي هنا في غاية اللباقة وحسن العرض والتصوير. جمع بين تحديد أرسطو وأستاذه أفلاطون للفضيلة، فمأثور عن أرسطو أنه يحددها بالوسط بين طرفين مذمومين، ومشهور عن أفلاطون أنه يحددها بالعدالة أو الاعتدال بين قوى النفس الثلاث _ لا الاربع كما ذكر الغزالي هنا _ قوة الشهوه وقوة الغضب وقوة الحكمة. أما قوة العدل التي زادها العزالي هنا _ فلم تعرف لأفلاطون إلا على أنها التوازن بين هذه القوى الثلاث وليست قوة مقابلة لها أولإحداها. والتوازن هذا هو الفضيلة. والتوازن لايتم عنده إلا إذا كانت الحكمة مسيطرة على القوتين الاخريين قوة الغضب والشهوة.
لباقة الغزالي هنا في التصوير وسهولته، وضرب المثل لتوضيحه، ومحاولته أن يعد ((العدل)) قوة رابعة للنفس، زيادة عما عرف لأفلاطون.
على أنه يعد ذلك في مزاوجته بين الفكر الاغربقي والدين هنالم يستطيع أن يبين على وجه التحديد مكان الشرع من الحكمة عند ما شرح في هذا النص إشارة الحكمة التي يجب أن تقع تحتها قوتا الغضب والشهوة عند ما يوصفان بالفضيلة والحسن. عند ما أراد ذلك سار مع العقل وحده، وجعله مثال الناصح المشير، وترك الشرع كلية مع أنه جعله والعقل مضمون الحكمة.
واقع الأمر أنه سارق أفلاطون في هذا الاسترسال، واكتفى بأن دلل على أن الحكمة ((كقوة من قوئ النفس جاء بها القرآن الكريم في قوله (( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً)) فإن اكتفى الآن بشرحها بالعقل، فقد سبق أن بين منزلتها من الشرع على هذا النحو. وإذن الشرع والعقل ((أي الفكر الاغريقي )) اجتمعا عند الغزالي في تحديده للفضيلة.