صحفة 300 /
لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الامارات والرؤيا في المنام خاصة، والرؤية للمبصرات وحدها. والتمييز بين هذه الثلاثة بحسب المحل فلا يلتبس أحدها بالآخرين في الاستعمال. والرأي ثلاثة أضرب: رأي باطل بلا شك، ورأي صحيح بلا شك، ورأي هو موضع الاشتباه بين هذا وذاك، فالباطل ذمه السلف ومنعوا العمل والقضاء والفتيا به، وكفى تحقيراً للرأي الباطل، وزراية بأهله ما روى عن اثنى عشر صحابياً في مقدمقتهم الخلفاء الراشدون، كلهم كان يحتاط لدينه ويحذر نفسه وغيره من الاندفاع في الاجتهاد والسير وراء الرأي خشية الوقوع في مزالق الباطل ومهاويه، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر ((يأيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصيباً أن الله كان يريه وإنما هو منا الظن والتكلف)) يريد عمر رضي الله عنه قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة النساء: ((إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)).
ويقول ابن عباس رضي الله عنه: إنما هو كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن قال بعد ذلك برأيه فلا أدرى أفى حسناته يجد ذلك أم في سيئاته. ويقول سهل بن حنيف رضي الله عنه: أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم، ويقول عبد الله بن بن مسعود رضي الله عنه بعد أن تحدث عن ذهاب الفقهاء وانقراضهم: ثم يحدث قوم يقيسون الامور برأيهم فينهدم الإسلام ويثلم.
وما هو موضع الاشتباه بين الحق والباطل؟ إما أن يكون فيه بد فإن لم يكن منه بدّ يباح بهذه الضرورة كما تباح الميتة للمضطر من غير بغي ولا عدوان، وذلك كالفتوى بإباحة الشركة في الحيوان على الطريقة المعروفة عندنا، وكالقول بأن الطلاق لا يقع إلا في مواجهة الزوجة، وأما الرأي الصحيح وهو ما يدخل في صميم بحثنا الذي تصدينا له فيهمنا من الرأي المحمود الرأي الذي يفسر النصوص ويبين وجه الدلالة فيها ويسهل طريق الاستنباط منها، كرأي الصحابة رضي الله عنهم في القول عند تزاحم الفروض، ورأيهم في الحامل والمرضع