/ صحفة 296 /
أما استعمال السيف والقوة في تغيير المنكر، فإن كان من أفراد الرعية فهو اغتصاب لسلطة الحاكم، وفيه من الفوضى ما يؤدي إلى ضرر أشد من المنكر الذي يراد تغييره به، وإن كان من الحاكم هو انحراف عما سنه الإسلام في الحكم، لان المنكر إن كان من أفراد خاضعين للحكم، فلهم عقوبات مقدرة في الشريعة يجب الاقتصار عليها، من إقامة حد فيما يجب فيه الحد، ومن أقامة تعزير فيما يجب فيه التعزير، ولا يصح تجاوز هذا إلى أخذ الرعية بالسيف، وقد كان لعمر ابن الخطاب في خلافته درة يستعملها في بعض المنكرات الصغيرة، وكانت عصا صغيرة لا تؤلم، وكان الناس يتقبلونها منه، ولا يرون فيها شيئا، ومع هذا لم يستعملها قبله أبو بكر، ولم يستعملها بعده عثمان بن عفان ولا علي بن أبي طالب، والقدوة بهم في هذا أحسن، ليكون لتأديب الرعية وسائله القضائية المعروفة، ولا يؤخذ أحد بمثل هذه الدرة التي كان عمر يحسن استعمالها، لأن غيره قد يسيء استعمالها في الرعية، وقد يتجاوزها إلى السوط وإلى ما هو أشد منه بطشا.
أما إذا كان المنكر من أفراد خارجين على سلطة الحكم، فإنه يجب على الحاكم أن يكف عن استعمال السيف معهم في أول الأمر، بل يأخذهم بوسائل الاقناع، ويحاول أحضاعهم للحكم بالتي هي أحسن، ولا يأخذهم بالسيف إلا إذا استعملوه في خروجهم عليه، وهذه كانت سنة علي بن أبي طالب فيمن خرج عليه في خلافته، فقد أخذهم أولا بوسائل الاقناع، فلما استعملوا السيف أخذهم به.
وحينئذ يمكننا أن نحكم بأن أصلح المواقف من يقف مع المحق فيها، فمن يعلم المحق فيها من المبطل يجب عليه أن يقف بجانب المحق، ومن لا يعلم المحق فيها من المبطل يجب عليه أن يجتهد حتى يعلم ذلك، ولا يصح أن يتوقف في ذلك الأمر، لان من يطلب الحق يصل إليه إذا أخلص النية، ولم يحجبه عن الوصول إليه غرض من الاغراض، ولا شك أن الانضمام إلى المحق في الفتن هو السبيل الوحيد للقضاء عليها، وإلى جمع كلمة الامة بعد افراقها، أما اعزالها والتردد في شأنها فإنه يؤدي إلى استفحالها، بل قد يؤدي إلى انتصار المبطل فيها، كما حصل في الفتن الاولى التي حدثت بين المسلمين، فقد أدى التردد فيها