/ صحفة 281 /
فالتشابه بين الشاعرين في اتخاذهما الناقة وسيلة لبث الشكوى فقط، وناقة الكلابي عميدة معه من أهل الحمى، وناقة العذرى العراقي يهيجها البرق اليماني.
ومن هذا يتبين أنه لا يقبل التداخل بين القصيدتين في أي بيت منهما، فإن كلتا القصيدتين تصور حالة خاصة آخذة حجزها بحجز بعض حتى تستكمل الهدف الذي يسدد إليه العاشق على وفق تصويره.
وإذا امتد الاسترسال في التفخيم من قدر ضرية إلى التعرض لشيء من الشعر المذكور في حماها وفاء لما وعدنا به _ مع أنه كان في الظن استكمال الحديث عن ابنيها النبهين: حلوان وخندف _ فإنا نرجى الحديث عنهما إلى مقال آخر.
ونختم الموضوع بكلمة يتبين منها أن الحمى كان مضرب الاقبية للأعراب الخلص، ويممه الرواة والعلماء ينقلون عنهم حفاظاً للغة العربية أيام الرواة، ولو لا تجشم هؤلاء الغُير على لغتهم: لغة الدين والقرآن لتمزقت أوصالها، واشتبهت معالمها، ونضع بين يديك كلمه مما فاه بها بعض أولئك الاعلام كنموذج تتمثل فيه واقع الحال في الحمى إبان جولات النقلة للغة في ميادين أسرة الجزيرة العربية وما يتاخمها من الجهات الدانية منها المتيقن فيها أن لغاتهم لم يتسرب إليها لوثة الامصار الاعجمية.
يقول الاصمعي: ((سمعت صبية بحمى ضرية يتراجزون فوقفت وصدوني عن حاجتي، وأقبلت أكتب ما أسمع، فأقبل شيخ فقال: اتكتب كلام هؤلاء الاقزام الادناع؟))(1)
لم تغير الايام _ وهي ذات غير على كر الغداة ومر العشى _ معالم الحمى، فلبث يتردد اسمه في الجاهلية والاسلام، حتى عهد ابن السكيت المتوفى سنة 244 هـ، إذ يقول: كما سلف لك فيما نقل عنه ابن منظور في اللسان: ((وفيها اليوم حمي ضرية))؟
ــــــــــ
(1) راجع المزهر النوع السادس. الأقزام: القصار، والادناع: السفلة.