/ صحفة 27 /
في أهلها من القتل والسلب والسباء ما تقشعر له الأبدان، وتنفطر منه القلوب، على أن المأمون تمكن بعد ذلك من القيام بغزوة تاريخية عظيمة، لم يكتف فيها باسترداد ما أخذه البيزنطيون، بل سار والنصر حليفة بفتح قلاع القوم ومعاقلهم حصناً حصناً، ومعقلا معقلا، حتى وصل إلى قلب المملكة الرومية، وفي احدى هذه الغزوات عاجلت المأمون منيته، فمات في ثغر من تلك الثغور يعرف بطرسوس، وقبره هناك، وطرسوس اليوم من ملحقات ولاية حلب السورية، ويؤسفنا أن نقول: كأن طرسوس لا يوجد فيها جدث لخليفة عباسي عرف ببلائه في جهاده للروم.
هذا وكيف تم للتتار في القرن السابع للهجرة استصفاء العالم الإسلامي في الشرق، وتدمير حضارته من تركستان إلى سمرقند وبخارى والبلاد المعروفة بما وراء النهر، إلى قفقاسية والبلاد الفارسية والأذربيجانية والعراق، إلى الجزيرة والشام؟ ما تم ذلك للمغول الا بأسباب في طليعتها هذا الشقاق والتطاحن والاختلاف بين الدول الإسلامية، وهي أمور شجعت المغول على غزو الشرق والأفطار المذكورة، ويزعم بعض المؤرخين أن لبعض خلفاء بني العباس المتأخرين صلة بالمغول، وكان هذا الخليفة يحثهم على غزو الدولة الخوارزمية، وليس من السهل فيما نرى اثبات ذلك.
هذا التاريخ الحديث ينبئنا بكيفية استيلاء دول الاستعمار الأوربى على الشرق وعلى ديار الإسلام خاصة، واذلال أهلها، وامتصاص دمائهم، وابتزاز ثروتهم.
وكان الشقاق والانقسام بين المسلمين عونا للمستعمرين على استغلال البلاد المذكورة، وقد تسنى لهذه الدول المستعمرة اثارة النعرات، وضرب بعض فرق المسلمين ببعضهم، وتعكير صفو بلادتا، ليتسنى لهم الاصطياد.
أليس من الغريب بعد هذا أن نرى قوما ينتسبون إلى العلم، وينتمون إلى الدين، ثم لا يعتبرون ولا يتعظون بمآسى المسلمين، وما جلبه عليهم الشقاق كلمتهم من الذل والهوان، فيصرون في عصرنا هذا على بذر بذور الشقاق والخلاف؟