/ صحفة 259 /
بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسولا إلى الناس كافة في وقت انتشر فيه الفساد، وساد فيه القلق والفوضى والاضطراب، وزاد الهرج والمرج بين الناس يموج بعضهم في بعض على غير هدى، فكان ارساله رحمة للعالمين كما قال تعالى: (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) وشرح سبحانه وتعالى على لسانه صلى الله عليه وآله وسلم شريعة تكفلت بصوالح الخلق في الدنيا والآخرة، و بانتظام معاشهم ومعادهم. و هذه الشريعة قسمان:
الأول: أحكام اعتقادية أصلية، المقصود منها اعتقادها والتصديق بها حسبما دل عليه البرهان العقلي القطعي وأيده ماجاء في كتاب الله الكريم وسنة نبيه المطهرة.
والثاني: أحكام عملية المقصود منها العمل من المكلفين، وكل مكلف لا تخلو أفعاله التي تصدر عنه باختياره عن حكم لله تعالى من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما من باقي الأحكام الشرعية، فالواجب الشرعي ما يثاب على فعله ويستحق العقاب على تركه، والمحرم شرعا ما يستحق العقاب على فعله ويثاب على تركه ان توجهت نفسه إليه ثم كفها عنه.
وقد شرع سبحانه وتعالى عقوبات في الدنيا للمخالفين للأحكام الشرعية الحتمية، شرع في بعضها وهو المهم منها حدوداً معينة يقيمها على المخالف ولي الأمر من المسلمين، وشرع في الباقي تعازير كما يرى ولي الأمر، وأوعد سبحانه وتعالى المخالفين بالعذاب الشديد في الدار الآخرة.
وقد نصب الشارع على هذه الأحكام أدلة، منها الواضح الجلي، ومنها الدقيق الخفي، لذلك تنوعت هذه الأحكام إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أحكام يقينية قطعية نقلت الينا بالتواتر القطعي بنقل الخلف عن السلف، جيلا بعد جيل، من عهد النبوة إلى الآن. فلم يختص بعلمها الخاصة، بل اشترك في العلم بها العامة والخاصة، فكان العلم بأنها من الإسلام علما ضروريا لا يختلف فيه اثنان، وذلك كفرض الصلوات الخمس، وصوم رمضان، والزكاة،