/ صحفة 22 /
وانهم، فان عصوك فعليك بنفسك، فان الله عزوجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم).
صحابيان وفكرة التقريب:
وفي الحق أن كلام ابن مسعود وابن عمر فيهما مجال للعبرة، فالأول يصور حال الأمة وقد تفرقت بها الأهواء، واختلفت منها القلوب، وأبدلوا بالأخوة والتعاون عداوة ونفرة، وذاق بعضهم بأس بعض، فمثل هذه الحال انتكاس في عداوة الجاهلية الأولى، وترد في حمأة القطيعة والبغضاء من شأنه أن يداخل النفوس معه اليأس، وأن يضن بالجهد حتى لا يذهب هباء، وأن يعتبر المؤمن نفسه غريباً في قومه، فيلزم نفسه، وينطوى عليها، ويكتفى بما أوجبه الله عليه من تزكيتها، وهذا ما آثره ابن مسعود.
أما ابن عمر فانه أمام قوم ـ هم الذين وصفهم السائل بأنهم نفر ستة فيهم صفات من صفات الخير والايمان وسعة الأفق الفكرى، فكلهم قد قرأ القرآن، وكلهم مجتهد لا يألو، وكلهم مبغض للدناءة، محب للخير ولكنهم مع هذه الأحلام الراجحة، والقلوب الواعية، والأخلاق العالية، مسوقون إلى هذا المظهر الكريه، مظهر الترامى بالشرك، وشهادة بعضهم على بعض بالكفر ـ ان ابن عمر رضي الله عنه في موقفه من قضية هؤلاء القوم، ليشبه دعاة (التقريب) حيث وجدوا أمة اسلامية أحسنوا الظن بعقول أبنائها، وعرفوا أن كل فريق منهم يقرأ القرآن، ويؤمن به حق الايمان، ويجتهد في فهمه لا يألو في هذا الاجتهاد وسعاً، ولا يدخر جهدا، وأنهم جميعا ذووهم عالية، وزايا طيبة، وتعشق للمجد يبغونه، ويلتمسون أسبابه، وليس من مقاصدهم الشر ولا الفياد ولا الدنايا، ولكنهم مع هذا كله متنابزون بالألقاب، يرمى بعضهم بعضا بما هم منه جميعا برآء، من ألفاظ الخروج والضلال ومجانية الحق، ومخالفة الباطل، وأحيانا يتواصفون بالزندقة أو الابتداع أو الانحراف … الخ تماما كما كان هؤلاء النفر الستة يتواصفون بالشرك، فما كان من دعاة التقريب الا أن أخذوا في هذه الأمة بما أشار به ابن عمر في قضية النفر الستة إذ قال لسائله: لعلك ترى ـ لا أبا لك ـ أني سآمرك