/ صحفة 205 /
والثاني: دعوة أصحاب هذا الرأي إلى فكرة السلام المنبثقة اليوم من تطور معارفنا عن الذرة، ولقد كنت مؤمنا دائما بهذه الفكرة والدعوة اليها، وازداد ايماني بها بعد تطور معارفنا الأخيرة عن حقيقة العلاقة بين المادة والطاقة وما وصل إليه العلماء من معارف خطيرة تحمل في ثناياها مفاجآت قد تصل بأهل هذا الكوكب إلى مدارج العلا، أو تنزل بهم إلى هلاك حقق، حتى أنني كتبت عن يقين على غلاف كتابي(1) الذي صدر في سنة 1949:
(ستعلم وأنت تطالع هذا الكتاب أن البشرية قد خطت مع بكارل الفرنسي منذ نصف قرن(2)، و مع أوتوهان الألماني حديثاً(3) خطوتين حاسمتين: فاما مدنية فوق التصور نصبح فيها كالملائكة نستطيع ما لا نستطيعه اليوم، واما مفاجأة محزنة قد ينمحى معها الكوكب الوديع الذي نعيش عليه).
ولقد تأثرت بفكرة سلام العالم والعمل في سبيلها نتيجة لتتبعى موضوع الذرة وما يحمله كل يوم من جديد فاندفعت خلال محاضرتي المشار اليها إلى ترديد هذه الفكرة السامية، حتى أن المحاضرة اتخذت طريقاً واضحاً نحو هدف معين وشكلا متبلوراً نحو غاية معلومة خرجا من قضايا علمية غاية في الدقة تهدف كلها نحو السلام، ولقد حمل كل هذا الحاضرين ـ وكانوا بالمئات ومن بينهم عدد عديد من العلماء وأهل الرأي ـ على أن يتخذوا قراراً في آخر المحاضرة بضرورة عناية الحكومة باستخدام الذرة في أعمال السلم مع المطالبة بتحريم الأسلحة الذرية والهيدروجينية.

ــــــــــ
(1) كتاب (ماذا تخبئه نواة الذرة للانسان) الناشر مكتبة النهضة بالقاهرة.
(2) كشف العالم الفرنسي (بكارل) النشاط الاشعاعي في عنصر اليوارنيوم في سنة 1896، وذلك بملاحظة الآثار التي تحدثها قطعة منه على اللوح الفوتوغرافي، وكان كشفه الخطير أول رسالة من داخل نواة الذرة.
(3) كشف العالم (أوتوهان) الألماني أول انشطار أو انفلاق لنواة ذرة البليتونيوم في نوفمبر من سنة 1938، ولم تنشر نشرته العلمية وتذع في العالم الا في 8 يناير سنة 1939 قبل الحرب الثانية بثمانية شهور.