/ صحفة 203 /
لا يقر النقاد ولا غيرهم ممن يفضلون نصيباً في هذا الموقف، ولا يحطب في حبالهم ولكنه ينظر نظر الناقد النزيه المدرك لمقادير الكلام فيقول: وليس شعر نصيب هذا الذي ذكرناه في المدح بأجود من قول الفرزدق في الفخر، ويطالعنا برأي سديد، له وزنه في مجال النقد الأدبي (وإنّما يفاضل بين الشيئين إذا تناسب).
* * *
وقضية المشاكلة في الشعر قضية قديمة، نقلها المبرد عن رواته قال: أخبرت أن عمر بن لجأ قال لابن عم له: أنا أشعر منك، قال له: وكيف؟ قال: اني أقول البيت وأخاه، وتقول البيت وابن عمه، قال: وأنشد عمرو بن بحر:
وشعر كبعر الكبش فرق بينه لسان دعى في القريض دخيل
قال محمد بن يزيد: وبعر الكبش يقع متفرقا … والمعنى في ذلك أن قائل هذا البيت أراد أن شعر الذي هجاه مختلف المعاني غير جار على نظم ولا مشاكلة.
قلت: وبهذه المشاكلة فضل الراعي نفسه على عمه حين سأله أيهما أشعر، وفضل بها رؤبة نفسه على ابنه عقبة، قال ابن قتيبة في مقدمة كتابه (الشعر والشعراء): (وتبين التكلف في الشعر بأن ترى البيت مقروناً بغير جاره، ومضموما إلى غير لفقه، ولذلك قال بعضهم لآخر: أنا أشعر منك، قال: وبم ذاك؟ قال: لأني أقول البيت وأخاه، وتقول البيت و ابن عمه، وقال عبدالله بن سالم لرؤية: مت يا أبا الجحاف متى شئت. قال: وكيف ذاك؟ قال: اني رأيت ابنك عقبة ينشد شعراً له أعجبني، قال: نعم، ولكن ليس لشعره قران، يريد أنه لا يقارن البيت شبيهه).
وهذه روايات تناقلها الرواة والمؤلفون إلى عهد المبرد، فكان لها موضع في النقد، وقد تكلم فيها من جاء بعد المبرد، ولكني لازلت أعتقد كما قدمت آنفاً أن المبرد أكبر من أن يفصل بين جرير والفرزدق بهذه النظرة الضيقة. (يتبع)