/ صحفة 145 /
ومنذ زهد رجال الدين في علوم الحياة، بدأ العلم يشق طريقه غير آبه بالدين ولا حافل به، وبدأ الشبان يفهمون أن العلم شيء والدين شيء، وانصرفوا بكل عقولهم إلى العلم، وانصرفوا بكل قلوبهم عن الدين، حتى أصبحنا الآن أمام علماء يسخرون كل ما في الطبيعة لاثارة الشهوات، واشاعة جو من الرذيلة، وها هم يشتغلون ليلا ونهاراً خفية وجهرا، ليطلقوا الذرة، وليس يهمهم أن يدمر ذلك قارة بأكملها، ثم هم يتسابقون في صنع صواريخ تطلق في الجو فتهلك الملايين بأشعتها دون أن تهوى إلى الارض، ولا يأبهون أن ينزل العذاب والشقاء بالبشر أجمعين.
والعلم سلاح قوي خطر، ان وقع في يد الفضلاء نفعوا به الناس، والتمسوا به الخير، وأناروا به البصائر، وهدوا به إلى عظمة الخالق، وان وقع في يد السفهاء آذوا به كثيراً، وأضروا به كثيراً، وجروا به على البشرية أفظع الشرور.
وقديماً فطن العلماء إلى هذه الحقيقة، فالتزموا قواعد لم يحيدوا عنها طوال العصر، ضمنوا بها بقاء العلوم في يد الأخيار من أهل الفضيلة، فحفظا البشرية من الشرور، فكهنة بابل ومؤبذو فارس كانوا لا يبوحون بأسرار علومهم لمن ليس أهلاً لها، ومن لا يطمأن إليه خيفة أن يؤذى به أحد من الناس، وكهنة مصر كانوا يقولون أن سر الموت والحياة هو سر الأسرار، ولابد أن يبقى سراً والا خربت الارض ومن عليها.
وهكذا فقد العلم في عصرنا صمام الأمان وهو الدين، وانتقل سلاح العلم من أيدينا إلى أيدي غيرنا، وتحول هذا السلاح النوراني من خدمة الخير المطلق، وسخر في خدمة الشر المدمر.
فماذا فعلنا نحن رجال الدين؟ ان الشقة بيننا وبين علوم الحياة ظلت تتسع حتى وصل الأمر إلى أنه لو عرض على طالب جامعي أن يدرس في معاهد الدين لبهت وأخذ كأنما أنذر بالموت، هذا بعد أن كانت المعاهد ـ إلى زمن غير بعيد ـ تلحق بالمساجد.
ان الدين كقوة فقد كثيراً من جنوده بتسريح الشباب من ميدانه، وباعتزال رجاله معترك الحياة بعد أن كانوا يعيشون في صميمها ويأخذون بيدهم التعليم وهو ضرورة للانسان كالماء والهواء، بينما خصوم الدين ومستغلوه الذين كانوا