/ صحفة 132 /
خاطب الله رسوله باسم الرسالة، ونهاه عن أن يسلم نفسه لعوامل الحزن والأسى على الذين يسارعون في الكفر من المنافقين واليهود، وذكره بماضيهم في الافساد واعتقاد السوء، والتلوث بالنقائص الخلقية من السماع للكذب والأكل للسحت، وغير ذلك، وهذا هو ما جاء في قوله تعالى من هذه السورة: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الفكر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
فكأن الله تعالى يقول لعبده ورسوله: لقد مضى عهد المطاولة والمصابرة والمجادلة، ولم يبق الا الحسم والفصل، فاعلم هذا وتلقه عن ربك بوصفك رسولا، فان الرسالة والدعوة قد وصلت بمكر هؤلاء ونكثهم ونقضهم وفتنهم إلى مرحلة خطيرة، فعليك ـ والحالة هذه ـ أن تنظر إلى رسالتك ودعوتك فقط، وأن تنسى ما يخالجك من عاطفة، أو يراودك من أمل، أو تدعوك إليه نفسك الرحيمة من ترفق وايثار للحلم والسلم طمعا في الوصول إلى اصلاح قوم خادعين ماكرين، أو قوم مخدوعين منافقين.
فكان هذا تمهيداً لما جاء بعده من أخذ اليهود بالشدة، والتنكيل بهم، واجلائهم عن المدينة وما حولها، ثم القضاء عليهم نهائياً في موطنهم الحصين (خيبر) وفي بعض هذه المواقع بين المسلمين واليهود يقول الله عزوجل: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار، ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله، ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب).