/ صحفة 108 /
(شم الانوف من الطراز الاول)
ونقلوا لفظ الشمم إلى معنى الكبرياء والتعزز، واشتقوا من اسم الانف فعلا فقالوا (أنفة) للدلالة على العزة، والترفع عن الدنايا، وبمعنى شمم الأنف شموخ الأنف: أي ارتفاعه، قال ابراهيم الموصلي:
إذا مضر الحمراء كانت أرومتي وقام بنصري خازم وابن خازم
عطست بأنف شامخ وتناولت يداي الثريا قاعداً غير قائم
وكارتفاع الأنف وشموخه في هذا المقام ارتفاع العنق أو انتصابه، وقد جمع بينهما أحد شعراء الحماسة، وهو جزء بن كليب الفقعسي مذ تجرأ ابن كوز على خطبة احدى كرائم عشيرته فقال:
تبغى ابن كوز والسفاهة كاسمها ليستاء منا أن شتونا لياليا
إلى ان قال:
وان التي حدثتها في أنوقتا وأعناقا من ذا الاباء كما هيا
وفي الاعناق قال أبو العاهيه في سلم الخاسر:
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص أعناق الرجال
ومما له علاقة بهذا البحث قولهم أي قول المعاصرين: خرج فلان من التهمة التي أقيمت عليه الدعوى بسببها (مرتفع الجبهة) أو (ناصع الجبين) ومعنى ناصع الجبين خالص بياض الجبين، كناية عن برائته مما عزى إليه من سوء أو خزاية، ولا أذكر أن لهذين التعبيرين أثراً في كلام فصحاء العرب، فهما مما يضاف إلى تعبير (رفع الرأس عاليا) ويكون الكل من الدخيل بالترجمة عن الأعجمية، ومما ترجم عن الفرنسية واستعمله الكتاب المعاصرون في النثر مما كان من أعضاء الجسد قولهم: (هز كتفيه) استنكارا (ومط شفتيه) و (صلب ذراعيه على صدره) حيرة أو تعجباً أو استغرابا، أما (الخد) من أعضاء الرأس فارتفاعه أو ميله إلى فوق يسمى: صعرا وتصعيرا، ولا يستعمل في مقام العزة والأنفة المحمودة، وإنّما يستعمل في مقام الكبرياء الممقوته، ومنه قوله تعالى: (ولا تصعر خدك للناس) ويقول العرب في التهديد: (لأقيمن صعرك).