/ صفحه 406/
و صنع الوضاعين، ولكن القرآن الكريم جلاها حقيقة تاريخية ثابتة، ثم أعارها من الاهتمام ما أعاد خلفها كما بدأه أول مرة، فهي فيه مدار حديث يتكرر بالحاح شديد، ويظهر بامتنان كلما استخدم التاريخ القديم لتنبيه الطغاة، في صدد بيان قدرته، وأخذه بأعراف الاقوياء، ونواصي الجبابرة، وقد صور "عاداً" في هذا الصدد قوة من القوة، في مختلف المظاهر وشتي الاشكال: في بناء الاجسام، وعنفوانية الانفس، ونشاط الحياة وضخامة الاثار، وشدة البطش، وبعد النفوذ وعظمة الثروة ولم تكن عنايته أقل، إن لم تفق، عنايته بقوم نوح قبلها، وبثمود وقوم لوط وإبراهيم وبفرعون وأهل مدين بعدها، بل لعله يصورهم أرسخ الأمم القديمة وأشدها شكيمة.
وأقل ما يترتب على هذا التأكيد الملح من أثر، نفي الزيف عن وجودهم التاريخي (1) وحمايته من شكوك التحريف الذي تناول تفاصيل أخبارهم بتصوير أسطورى، اشتهاه، بعض القصاصين مثل كعب الأحبار ليمتع به بعض الملوك، مثل معاوية، أو يضلل به الرأي العام وفق سياسة معينة.
و قد تحدث القرآن الكريم عنهم في مواضع كثيرة منه، تحدث عن عاد في سورة الاعراف وفي سورة التوبة، وفي سورة
ـــــــــــ
1- في محنة ابن رشد نسب إليه خصومه كلمة قيل إنها من أسباب نكبته وهي أنه قال ـ وقد شبهت عاصفة بريح عاد: وأن وجود عاد ما كان حقاً فكيف سبب هلاكهم". ويقوى عندى افتراء هذه الكلمة عليه أنه ـ وهو العالم الفلكي ـ لا تخفي عليه طبيعة الريح التي يصورها القرآن، وهي لا تزيد عما تسجله المراصد اليوم من سرعة العواصف التي تقتلع الاشجار، وتهدم القصور، وما أظن عصر ابن رشد غريباً عن هذه العواصف هذا فضلا عما يصحح مفاد الآية من وقوع منازل عاد في مواقع بركانية.
هود، وفي سورة إبراهيم، وفي سور: المؤمنون، الفرقان، والشعراء، والعنكبوت، والسجدة و(ص) والحقاف و(ق) والذاريات، والنجم، والقمر، والحاقة، والفجر.
نعم لم يكن القرآن مؤرخا، وإنما أوحي الله إلى نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من