/ صفحه 36 /
قام أبو بكر الصديق وسمي بالخليفة، فماذا كان شأنه مع الرعية؟ قام خطيباً يلقي على الناس عهداً، وذلك هو الأمر الذي يقوم به الحاكم في هذه الأوقات على النحو الذي يرتثيه الناس في عصرنا الحاضر: أصبح حاكماً دستورياً عن طريق الانتخاب، وله دستور قائم هو كتاب الله وسنة رسوله، فلتكن خطبته خطبة عرش أو خطبة رياسة كما يسمونها في الأزمنة الحاضرة، فماذا قال؟ قال للشعب:
"أيها الناس: قد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم. فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم. ألا إن القوي فيكم ضعيف
عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف قوي حتى آخذ الحق له، أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم" أي شيء أجل من هذه الخطبة لحاكم دستوري؟ لقد جمعت فأوعت، وإذا كانت خطب العرش أو الرياسة في الأوقات الحاضرة تعني بالتفصيل وبما ينويه الحاكم من أعمال الوزارات المختلفة، فما ذلك إلا لأن الأُمور قد تشعبت والالتزامات قد تعددت وجاز للناس أن يقولوا ما شاءوا في تلك الخطب، لكنها لا تخرج في الواقع عما تضمنه خطاب أبو بكر الصديق من ضرورة قيام حكومة دستورية تستند على انتخاب حر، وأن تكون الأُمة مصدر السلطات، وأن الحاكم يجب أن يخضع لإرادة الأُمة، وإلا وجب عليه ترك الحكم .
* * * *
مات أبو بكر الصديق وديمقراطية حكمه كما علمت، وهي مستمدة من ديمقراطية رسول الله التي عرفت أنها مستمدة من كتاب الله جل شأنه، فكان على المسلمين أن ينتخبوا حاكماً أو خليفة أو راعياً لهم كما انتخبوامن قبل أبا بكر ببيعة السقيفة، وقد اتفقوا فاختاروا عمر بن الخطاب بوصية من أبي بكر .
كان عمر شديداً من يوم نشأته مهيباً، لكنه وقد هذبه الإسلام، وألان نفسه وأخضعه أصبح ديمقراطياً يلائم بين الشدة والعدل والديمقراطية، فقام بين الناس خطيباً يقول لهم: "من رأى منكم فيَّ أعوجاجاً فليقومه" فأجابه رجل من السامعين