/ صفحه 347/
منه غير عامد ولا مصر، أو بما عسي أن يفرط منه من ذلك، وتلك المعاملة من الحبيب لمحبوبه تقتضي الشكر وعرفان الجميل.
و هكذا يتبين أن المعاني متجانسة، آخذ بعضها برقاب بعض، يمهد أولها لاخرها، ويؤكد آخرها ما حاء في أولها، وكلهاترمي إلى خير المؤمنين ومدهم بالتشريع الملائم لفطرهم، المتمشي مع مقتضيات حياتهم، الذي يحقق لهم السعادة، ويبعثهم على تذوق النعمة، فيشكروا ربهم الذي أسداها إليهم، ويسرها لهم.
* * *
بعد هذا البيان الاجمالي لما تضمنه هذا النداء: وللصلة التي بينه وبين ما سبقه من النهي عن تحريم الطيبات; نعرض بشي ء من التفضيل لموضوع آيات اليوم، فنقول وبالله التوفيق:
الآية الأولى تحدثت عن أربعة أشياء: الخمر، والميسر، والانصاب، والازلام فذكرت أنها رجس من عمل الشيطان، و
ـــــــــــ
1- وذلك على رأي الجمهور في بيان بسبب نزول هذه الآية واتصالها بتحريم الخمر حيث أثيرت أسئلة عن الذين مانوا من المسلمين وقد شربوها قبل تحريمها، فنزلت هذه الآية، ولنا في هذا بحث سيأتى في هذالا المقال رجحنا به في هذه المسألة رأي أهل البيت (عليهم السلام) لان الدليل معهم.
أمرتنا باجتناب هذا الرجس أو هذا العمل، لعلنا نفلح. فعلينا أن نعرف هذه الاشياء: ماهي؟ وأن نعرف معني كونها رجساً من عمل الشيطان، وأن ننظر في دلالة الكلام على التحريم، ثم في علاقة هذا التحريم بما يرجى لنا من فلاح:
الخمر: معاني المادة التي اشتقت منها اللغة:
فأما الخمر، فاشتقاقها من مادة (خمر) ومن تتبع هذه المادة في ا للغة وجدها تدور بين معان متقاربة:
منها: الستر، يقال خمرة يخمره خمرا أي ستره، وكل شيء غطي شيئا، فقد خمره أي ستره، ومنه خمار المرأة، ومنه "خمروا آنيتكم" أي غطوها.
و منها: الكتمان، يقولون: خمر الشهادة إذا كتمها.
ويقولون: خمر فلانا أي استحيي منه، وخمر عنه أي توارى واستتر.
و يقولون: خامره في البيع مثلا أي خاتله، وخامر الشىء الشىء أي خالطه وقد خامره الداء أي داخله