/ صفحه 314/
فهو في غناه الذاتي قادر على الامهال، نشيط على الصبر، كالدائن السمح يسدى بالادانة أبادى عدة لا يداً واحدة: يداً في الدين، ويداً في أرباح الدين، ويداً ثالثة في إمهال المدين حتى يدركه يسار النفس ويسار المال، وهو في غناه الذاتى بعد هذا كله حيث لا يضره غي الناس، ولا ينفعه رشدهم، فسيان عنده علموا أوجهلوا، وسيان عنده سفهوا أو عقلوا، وسيان عنده شقوا أو سعدوا، لا يناله من أحوالهم كلها ربح ولا خسارة، وإنما يريد لهم ما يريد من خير، ويأبي لهم ما يأبي من شر، ثم لا يليق بغناه الذاتي فقر التدخل بأحوالهم على نحو الجبر، لذلك لا يكرههم على الفضيلة إكراها، وإنما
بخيرهم، ويخلي بينهم وبين ما يشاؤن من فضيلة أو رذيلة، في أناة من لا يخيفه الفوت، ولا يعجزه الطلب.
وهو من رأفته، بمكان الالوهة; ينظر منه إلى أعدائه نظرة إلى أصدقائه، كلهم عباده، وكلهم عياله، وكلهم حرى عنده أن يحيي ويعيش ويسعد، لا يأتي التفاوت في هذه الأُمور من قبله، وإنما يأتى من قبلهم، صدره ليس ضيقا كصدورنا ـ يا بني ـ بالحقد، حرجاً بالحسد، فواراً بالنقمة، بل هو صدره الرحب الفسببح الخافق بالحب والرحمة والغفران،
لم يكن حالذاك إلها، وإنما كان ملكا جباراً تعروه الخطئية، ثم يجب عليه القصاص، ثم إذا فعل ما تتمناه أنت من معاجلة الناس قل لي: من يبقي من البشر على وجه البسيطة؟ وإذا أخلي البسيطة من الناس، قل: من ذاالذي يعرفه بعدهم؟ وما الفائدة بعد ذلك من الانظمة والشرائع والقيم؟ بل ما ذا يبقي للحياة كلها من الغايات والاغراض والاهداف؟
تعلم ـ يا بني ـ أن رب عبدالمطلب رب لا أطول من أناته، ولا أوسع من رحمته، ولا أغني من ذاته، لا يكره بل يخير. ولا يعنف بل يلطف، ولا يعجل بل يمهل ولا يعسر بل ييسر، وقلما يظهر من قصاصه، ثم لا يقتص إلا إذا طفح الكيل،
الخيط الضعيف الذي يشد الارض إلى السماء.
قال عمار لابيه: لله حرة انكشفت عنك ـ يا أبتي ! إنني لأشرب كلامك