/ صفحه 270/
والشيخ أبو إبراهيم من كبار علماء المالكية في عهد الناصر (300 - 350 هـ) يتحدث عنه المقرى في نفح الطيب فيقول.
روى ابن مفرج أحد تلاميذه، قال: إني لعنده في مسجد أبي عثمان، ومجلسه حافل بجماعة الطلبة، إذ دخل عليه خصي، فوقف وسلم وقال: يا فقيه، أجب أمير المؤمنين أبقاه الله، فإن الأمر خرج فيك، وها هو قاعد ينتظرك; وقد
ـــــــــــ
1- ج 8 ص 81
2- الريض = ما حول المدينة، ضواحيها.
أمرت بإعجالك، فالله الله!
فقال له: سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين، ولا عجلة. فارجع إليه، وعرفه ـ وفقه الله ـ عني، أنك وجدتني في بيت من بيوت الله تعالى، معي طلاب العلم، أسمعهم حديث ابن عمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهم يقيدونه عني، وليس يمكنني ترك ما أنا فيه حتى يتم المجلس المعهود لهم في رضا الله وطاعته، فذلك أوكد من مسيرى إليه الساعة; فإذا النقصي أمر من اجتمع إلى من هؤلاء المحتسبين في ذات الله، الساعين لمرضاته، مشيت إليه إن شاء الله تعالى، ثم أقبل على شأنه، ومضي الخصي متضاجراً، فلم يكن إلا ريثما أدى جوابه، ثم عاد، فقال: يا فقيه أنهيت قولك على نصه إلى أمير المؤمنين ـ أبقاة الله ـ فأصغي إليه، وهو يقول لك: جزاك الله خيراً عن الدين، وعن أمير المؤمنين، وجماعة المسلمين، وأمتعهم بك! وقد أمرت أن أبقي معك حتى ينقضي شغلك وتمضي معي. فقال: حسن جميل، ولكني أضعف عن المشي إلى باب السدة، ويصعب علىّ ركوب دابة لشيخوختي وضعف أعصابي; فلو رأي أمير المؤمنين أن يأمر بفتح باب الصناعة، لقربه، كان ذلك أرفق بي، وأحب أن تعود فتنهي ذلك إليه، فمضي الخصي، وعاد بعد قليل، فقال: يا فقيه قد أجابك أمير المؤمنين إلى ما سألت، وأمر بفتح باب الصناعة، ومنه خرجت إليك; ثم جلس الخصي جانبا، حتى أكمل أبو إبراهيم مجلسه بأكمل مماجرت به عادته، غير منزعج ولا قلق.
قال مفرج: فلما انفضضنا عنه قام إلى داره، فأصلح من شأنه، ثم مضي إلى الخليفة، ولقد تعمدنا أن نمر بباب الصناعة، إثر قيامنا عن الشيخ أبي إبراهيم