/ صفحه 268/
ـــــــــــ
1- قاضى الجاعة = قاضى القضاة.
وكان طبيعياً أن يتلاقيا ـ بعد ذلك ـ في أنهما كليها لم يكونا بمنزلة سواء في مواقفهم من الدولة; بل كان من ا لشعراء من يتصل بحكومته على أساس من الاخلاص لها، والرغبة في بقائها، والمعاونة الصادقة في خدمتها; ومن يتصل بها على أساس من المنفعة الشخصية، والنفاق السياسي، ومن يتصل بها اتصال المكره المدارى، حرصاً على الحياة، وإبقاء على النفس. ومن وراء أولئك آخرون تمردوا علي الدولة، واتخذوا مواقف أخرى، محافظة على مبدأ، أو تشيعاً لبعض الاحزاب، أو غضبا للحرمان من الوظائف أو المناصب; أو غير دلك مما يغضب وثير.
وعلى أمثال هذه البواعث تقوم صلات الفقهاء بالدولة أيضا، فمنهم العامل في ذات الله; ومنهم العامل للهوى والشهوات الدنيا.
و قد سجل التاريخ صفحات بياضا لكثير من أحرار الفقهاء، تعتبر بحق من مفاخر الإسلام على وجه الزمان.
يقول الطبري: لما دخل ا لوليد بن عبد الملك المدينة في حجته سنة 91، غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه، فأخرج الناس منه فما ترك فيه أحد، وبقي سعيد بن المسيب، ما يجترىء أحد من الحرس أن يخرجه، وما عليه إلا ربطتان ماتساويان إلا خمسة دراهم، في مصلاه; فقيل له: لو قمت. قال: والله لا أقوم حتى يأتى الوقت الذى كنت أقوم فيه! قيل: فلو سلمت علي أمير المؤمنين; قال: والله لا أقوم إليه! قال عمر بن عبدالعزيز: فجعلت أعدل بالوليد في ناحية المسجد: رجاء أن لا يرى سعيداً حتى يقوم; فحانت من الوليد نظرة إلى القبلة، فقال: من ذلك الجالس، أهو الشيخ سعيد بن المسيب؟ فجعل عمر يقول: نعم يا أمير المؤمنين; ومن حاله، ومن حاله; ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك; وهو ضعيف البصر. قال الوليد: قد علمت حاله; ونحن نأتيه فنسلم عليه. فدار المسجد حتى وقف على ا لقبر; ثم أقبل حتى وقف على سعيد، فقال: كيف أنت