/ صفحه 263/
و هو عهد امتاز بالرخاء والرفاه والغنى واليسار، حتى ضربت بذلك الامثال وحتي وضعت في ترف العباسيين وبذخ أعيان دولتهم قصص معروفة بعضها من نسج الخيال .
كان هارون ا لرشيد ـ كجده المنصور ـ من أبعد العباسيين نظراً وأثقبهم فكراً خبيراً بنزعات الشعوب والاقطار الداخلة في حكم بني العباس مطلعاً على معظم ما يجرى في البلاد المذكورة إذا استثنينا أغلاطاً سياسية وقعت له ـ كما سترى ذلك.
معسكر الرقة
قواعد حربية للعباسين:
كان الخطر ماثلا أمام الرشيد والفتنة واقعة لا محالة من ناحية البلاد المأهولة بعدد غير قليل من أنصار الأمويين والقبائل الموالية لهم، وفي مقدمة تلك البلاد: ديار بكر وربيعة في الشرق والشمال، وديار الشام في الغرب، بل كان الرشيد يعرف من ينسج غزل هذه الفتن من بني العباس الموتورين أنفسهم فضلا عن غيرهم، ولذلك فكر المنصور وفكر بنوه وأحفاده ـ وفي مقدمتم الرشيد ـ في اتخاذ قاعدة عسكرية كبرى تكون عى مقربة من الشام أو متوسطة بينهما وبين الجزيرة، ومن هذه القاعدة يشرف بنو العباس على ما يجرى في البلاد الواقعة شرقى الفرات وغربيه، فاختار الرشيد، "الرقة"(1) وزاد في أبنيتها التي بناها المنصور وأكثر من الاقامة فيها.
وصف المؤرخون طيب هواء "الرقة" و"الرافقة" كما لو كان طيب الهواء وعذوبة الماء فيهما علة العلل في انتقال الرشيد إليها. مع أن الرقة لم تكن إلا قاعدة من جملة قواعدهم العسكرية تشحن بالمقاتلة لدرء الاخطار التي قد تنجم من الغرب أو الشرق، ولولا ذلك ما فارق العباسيون عاصمة ملكهم بغداد (2)
ـــــــــــ
1- تجد سبب اقامة الرشيد في الزقة في الكامل (6/76 - 77).
2- أنظر عن الرافقة والرقة وعناية المنصور والرشيد بهاتين الحاضرين معجم البلدان (2/734 - 735؟) ط "لا يبسك" وانظر الكامل لابن الاثير (6/76 - 77).