/ صفحه 262/
الاكثر ـ امتداداً لخلافة السفاح والمنصور إذا استثنينا عناية المهدى بفتح بعض الطرق العامة، وتوسيع عاصمته بغداد حتى ازدهرت فيها الصناعة والتجارة، وعني المهدى فيما عني بنظام البريد في المملكة (1) وكان شديداً في مؤاخذة المتظاهرين بالمذاهب الشاذة، كما كان أبوه يعيبه بالاسراف والتبذير، وينسب ذلك إلى ضعفه وحداثته واستيلاء أعوانه عليه، ومما لا شك فيه أن المهدى كان مغلوباً على أمره لزوجته الخيزران، إذ كانت تدخل أنفها في كثير من الأُمور العامة، إلى أن حجر عليها ابنها الهادى بعد وفاة أبيه.
كانت الخيزران خائفة على نفسها من ابنها الهادى، شاعرة بأنه يحاول الفتك بها، فإنها رأت في نفسها الكفاية للمساهمة في إدارة شؤون الدولة، وقد كثرت الغاشية وازدحمت المواكب على بابها بعد موت زوجها المهدى، ومرد ذلك على الاكثر إلى حداثة سن ابنها الهادى، إذ بويع بالخلافة وعمره نيف وعشرون سنة، فأرادت مشاركته في سلطانه، وحاولت غلبته على أموره، وكانت صلة رجال الدولة بها وصلتها بهم حديث المحافل في البلاد، كما كان الهادى يطوى نفسه على كثير من الاشجان والالام من أجل ذلك، فهو معروف بشدة الغيرة على حرمه، ولكن هذا الخليفة الشاب سرعان ما تنكر لامه، بل ثار عليها ثورة صاخبة، وخاطبها بعبارات جارحة فاضت على لسانه وكلها عذل وتقريع وتهديد ووعيد، ومن أجل ذلك ـ على ما يقول فريق من المؤرخين ـ سعت أمه في الفتك به قبل فتكه بها. وذلك في مستهل السنة الثانية من خلافته(2).
هارون الرشيد:
ـــــــــــ
1- أنظر عن عنايته بنظام البريد تاريخ الخلفاء للسيوطي(107)
2- أنظر عن قصة الخيزران وعلاقتها بموت الهادى وتضارب أقوال المؤرخين في ذلك تاريخ الطبرى (10/33 - 34)و المروج (2/184) والكامل (6/40 - 41) وقد روى المؤرخون المذكورون نص خطاب الهادى لامه الخيزران الذي أحفظها عليه.
بلغت بغداد، بل بلغت الدولة العباسية أوج عظمتها وحضارتها في عهد الرشيد،