/ صفحه 252/
إن سرّ النهوض في الأمم الناهضة، وسر النجاح في الأمم الناجحة، يرجع في الكثير الغالب إلى توافر هذا العنصر في الأُمة، وإلى حسن الاختيار فيمن توسد إليهم الأُمور، دون تأثر إلا بالصالح العام.
* * *
و أما العلم فلا أريد به مجرد معرفة القواعد والمسائل والنظريات، وإنما أريد مع هذا علماً تطبيقاً عملياً ننشيء به المصانع والمعامل، وننتج به الآلات والادوات، ونسخره في تيسير الحياة، وتذليل صعابها، ونقوى به أنفسنا، ونكشف به أمراضنا، وندرس وسائل علاجها، ونبتكر لها إذا أعوزنا أن نجد العلاج فيما بين أيدينا، ونسابق به الأمم في مضمار الحضارة البشرية سباقا يشعرون معه أننا أعضاء عاملون في الكتلة الانسانية، ولسناعالة عليهم، ننتفع بعلمهم، ونتأثر أبلغ التأثر بآثارهم، وتمتليء حياتنا في بيوتنا ومصانعنا وسائر مواطن نشاطنا بثمرات أفكارهم، ونحن مع ذلك نرجو أن يحترمونا أو لا يفكروا في استعمارنا، واستغلال ما لم نستطع استغلاله في بلادنا، كما هي سنة القوة مع الضعف، والمعرفة مع الجهل.
إن الخلق بدون العلم لا ينفع، ولكن العلم في الأُمة الفاضلة يدرأ عنها فيحفظ عليها أن تغزى في أخلاقها، والفضيلة في الأُمة العالمة توجه علمها إلى الخير والإصلاح وتعصمها من أن تتخذ منه أداة للهدم والتخريب، والظلم وهضم الحقوق، وابتغاء العلو والفساد في الارض بالطغيان والجبروت.
لقد كنا ـ معاشر المسلمين ـ قادة في العلم والاختراع واستنباط ما ينفع الناس ويمكث في الارض، وكان الناس لنا في ذلك تبعاً حيناً من الدهر، أما الآن فقد انعكست الآية، وصار القادة تابعين، والتابعون قادة، فمتي نعود إلى تبوى ء مكانتنا، أو متي ـ على الاقل ـ نشارك أهل العلم في علمهم، فنحملهم عى احترامنا، ونجاريهم في أهم ميادين الحياة، ونؤدى للإنسانية ضريبة إنسانيتنا؟