/ صفحه 249/
لا يسمي حانثا إلا باعتبار الصورة والظاهر وما يجب عليه من الكفارة، وإلا فهو في الحقيقة التي تبدو من تأمل الحكم مطالب بأن يؤثر الخير، وألا يصرفه عنه يمين حلفها كما قررنا من قبل. وفعل المرء ما هو واجب عليه تحنث لا حنث، والكفارة كأنها تطهير له، لأنه أقدم على الحلف قبل أن يتدبر موقفه ويعلم ما هو الخير، فلعله كان لو تدبر لم يحلف ولم يعرض يمينه لان تضيع.
هذا ما يوحي به قوله تعالى: "واحفظوا أيمانكم إذا حلفتم" واندراج المعني ا لثاني في لفظ الآية واضح حيث طلبت منا أن نحفظ أيماننا إذا حلفنا، أي إذا وقعت منا اليمين فعلا فعلينا أن نحفظها من الحنث، وحفظها كما قررنا بألا نلغيها إلا ونحن على بصيرة من أن الخير في إلغائها ثم نكفر عنها، أما اندراج المعنى الأول في هذا اللفظ، فتوجيهه أن نفهم "إذا حلفتم" على معني يعم: إذا أردتم الحلف، على حد: "يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا" يعني إذا أردتم القيام إلى الصلاة. وعلى هذا يكون التعبير شاملا كأنه قيل: احفظوا أيمانكم ابتداء وانتهاء، حين تقدمون عليها، فلا تقدموا إلا حافظين لها، وحين نحلفونها فعلا; فلا تضيعوها.
* * *
هذا هو النداء العاشر من النداءات الالهية للمؤمنين في سورة المائدة، فلننظر كيف حفظ الله جل جلاله بهذا التشريع الحكيم جمع تلك المصالح الحيوية، موفقا بينها أتم توفيق، ولنعلم أن هذا ما بدالنا الآن، وهو قليل من كثير، ولكن الجهد محدود، وسبحان من قال عن كتابه الكريم، وفي كتابه الكريم: "إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم". "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير"؟