/ صفحة 12/
ولا شك ان طبيعة الاجتماع البشري تفرض تظيم هذه الناحية التي يتهيأ بها للناس أن يعرفوا الأساس فيما لهم أن يتناولوه أو يمتنعوا عنه مما يقيم بنيتهم، وبلى نداء طبيعتهم، ويحفظ حياتهم.
والنداء الثاني، وهو قوله تعالى "يأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" الخ هو أمر للأمة بأن تحتفظ بمظهرها ومميزاتها وما جرى فيها مجري الخصائص، فلا تنتهك شيئاً من ذلك، ولا تتهاون فيه، فإن تهاون الأُمة في شعائرها، وتفريطها في الطابع الذي تمتاز به، من شأنه أن يدفعها إلى التحلل، ويقضي بها إلى الانهيار، ويظهرها أمام الأمم الأُخرى بمظهر الهازل المستهتر الذي لا يتورع أن يهدم بيده أساس بيته ونظام عيشه، كما أن من شأنه; أن يسقط هيبتها، ويهوّن من عظمتها، ويجرّي عليها غيرها، ولذلك نرى الأمم إن تهاونت في شيء مما يتصل بها فلن تهاون فيما يعد شعاراً لها، ومظهراً من مظاهر كرامتها وعزتها، وربما قامت الحرب الضرّوس من أجل راية أهينت،أو شارة احتقرت، أو نحو ذلك مما له مساس بكرامة الأُمة، واعتداء على هيبتها .
ومما ينبغي أن نلتفت إليه أن هذين النداءين قد جاءا في السورة متداخلين مندمجين اندماجا ربما أوحي بأنه لا انفصال بين ما هو من مقومات الأُمة في حياتها المادية، وما هو من مقوماتها في حياتها المضوية، فالشعار والمظهر، كالمأكل والمشرب وسائر ضروريات الطبيعة، كل ذلك لابد منه في حياة الاستقرار والطمأنينة .
ومما ينبغي أن نلتفت إليه أيضاً أن الله ـ جلت حكته ـ فدأكه في تضاعيف هذين النداءين، وجوب احترام الشعائر، والوفاء لها، بإلهي عن الانسياق ورآه بواعث الرغبة البشرية في الانتقام متى تعارض ذلك مع الوفاء لشعيرة من الشعائر، كشعيرة تأمين الشهر الحرام، والبيت الحرام، وذلك قوله تعالى: "ولا يجر منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب".