/ صفحة 89/
بالضلال، بل بالفسوق والعصيان والكفر، فيقوم بذلك بين المختلفين سد من العداوة والبغضاء يحول بين الهداية ووصولها إلى القلب فينعدم أثر التناصح.
ولقد وجد على مر العصور علماء انتهازيون حول كل حكومة قامت على نظرية من نظريات الحكم المختلف فيها، كانوا يخدمون ركابها، ويتقربون إليها بتدعيم مذهبها الذي قامت عليه، وابتكار صور له من نصوص الدين، طمعا في مالها وجاهها، وفي الوقت نفسه يتقربون إلى العامة بمجاراتهم في اشاعة الفتنة وقالة السوء ضدّ مخالفيهم، فاستحكم بعملهم هذا الخلاف بين الحكومات واشتعلت نار الفتنة بين الطوائف، ولا يمكن ان يكون غير هذا إذا تولّى العامة ومن في منزلة العامة من العلماء التحدث في الدين بالشهوة لا باليقين، ولو رجعنا إلى المكتبة الاسلاميه مثلا وأحصينا الكتب التي ألفت في تغذية الخلاف بين المسلمين إلى جانب الكتب التي تعمل على اصلاح ذات البين، لاتضح لنا كيف كانت عوامل الشر أقوى وأعظم بكثير من عوامل الخير، ولعلمنا علم اليقين السر في بقاء الخلاف بين المسلمين على أشده إلى اليوم ككائن حى، ينمو ويقوى خصوصا إذا احتضنته أيدى أعداء الإسلام رغم أن المسلمين فقدوا الدولة التي اختلفوا على نظامها، والسلطان الذي تنازعوا عليه، وضعف الدين الذي نقلوا إليه الخلاف وتفرقوا فيه، وأخيرا فقدوا وجودهم وتخطفهم الناس، فهم على كثرتهم العددية غثاء كغثاء السيل، لايملك أحدهم حرية ادارة بيته فضلا عن بلاده وأمته والمسلمون هم الذين هيأوا أنفسهم لهذا المآل بمضيهم في الخلاف ومحافظتهم عليه وتغذيتهم لاسبابه، ولقد شعر غير واحد من المسلمين الصادقين بخطورة الحالة التي آل إليها العالم الإسلامي أمة ودولة وعقيدة، فأجمعوا وتجمعوا لوضع حد للماضى بما فيه، واستئناف حياة جديدة تبتدى بتوحيد قلوب أهل التوحيد حول الاصول العليا للاسلام، وأن تكون الدعوة للحق بالحق، وبما أدبنا به الحق تعالى، وهدانا إليه في محكم آياته من وسائل تتفتح بها القلوب، وتقبل عليها النفوس، وأن ما عدا ذلك من تراث كل طائفة من طوائف المسلمين لها أن تحتفظ به، وليس لها أن تجادل أو تجادل فيه، وأن يكون الخلاف في الرأي خلافا