/ صفحة 88/
وحرباً انهار بها الكيان الإسلامي دولة وعقيدة، فلقد رأيت وسمعت في رحلتى الاخيرة التي قمت بها في الشرق العربى من أقوال وأعمال بعض العلماء الذين يلبسون لباس الهداية والنصح ما يبرأ منه الإسلام، وحتى أبسط مظاهر الخلق الكريم، رأيتهم يدعون للدين بما يهدم الدين، وينصحون للمسلمين بما يثير الفتنة بين المسلمين، ويحمل كل منهم من الحقد الذي يفيض به قلبه ولسانه للطائفة المخالفة له ما لا يحمله للمستخفين بالدين ولاعداء الإسلام والمسلمين من المستعمرين وكأن هؤلاء معاول الاستعمار تعمل لهدم ما بقى من كيان هذا العالم الإسلامي، وتفريق ما تجمع من شتاته بايقاظ الفتنة المذهبية والنعرات الطائفية بين المسلمين والاحتجاج بتخريف العامة والدهماء وتزييف وتحريف من على شاكلتهم من أشباه العلماء، وما كان أغنى المسلمين وهم اليوم فريسة بين براثن الاستعمار عن هذا الاستهتار، ورأيت لو أننى نصحت لهؤلاء وهؤلاء بعنف، وحاولت صدهم عما هم فيه بشدة لفروا، ولاصبحت طرفا ثالثا في الخصومة، ولكننى أخذت بأدب الله في الدعوة إلى ما أمر من أخوة واتحاد، فاستجاب الناس إلى ما دعوتهم إليه وكفوا عن التقاذف بالتهم، وأخذوا في التقارب بصفاء وود، وتلك مهمة المسلم خصوصا في هذه الحالة وهذا الزمان.
* * *
لقد افترق المسلمون في فجر تاريخهم، واكتووا بنار تلك الفتنة. افترقوا في السياسة، واخلتفوا في نظام الحكم، ولكن لارتباط السياسة بالدين، انتقل الخلاف من نظام الدولة إلى العقيدة، وتطور التباين في الرأي إلى مهاترة وخصومة، ثم إلى حروب سالت فيها الدماء وأهدرت كرامات وانتهكت حرمات تفككت بها وحدة، وانهارت بها قوة، ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا ان السبب الاكبر في كل ذلك هو الخروج عن الادب الذي أدبنا الله به في الدعوة إلى الله والى ما أنزل من الحق، والاخذ بما تمليه الشهوة والعاطفة اللتين هما مرتع الشيطان من الاعتداد بالنفس والعصب للرأى، وأخذ المخالف بالشدة، والتسرع في رميه