/ صفحة 69/
تمتع بها، وما حصل له من أحداث يومية مختلفة في أمكنة متعددة، وما وقف عليه من مفارقات اجتماعية في رحلته الطويلة هذه... وغير ذلك مما يذكره الذي قام بمثل هذه الرحلة فعلا، مع أنه لم يرحل بعد، ولم يشاهد شيئا بعد، ولم يقف على أمر بعد، ولكنه فقد أمل وتَمنى، ثم ساعده على أن يصوغ أمله بصيغة الواقع ما قرأه عن مثل ذلك أو ما سمعه من غيره أو شاهده في فيلم يتصل بموضوع أمله ورغبته، وبدل أن يذكر: أنه يتمنى امتلاك ضيعة من الضياع - يحدث صاحبه في المجلس عن حديقتها، ومقدار غلة الأرض وصافي الربح منها - وغير ذلك مما يشعر سامعه بأنه يمتلك واحدة بعينها. فإذا اصطدم بحقيقة الواقع لجأ إلى التأويل وبالتالى بدأ بين المقنع والسافر. يظن أنه يعيش على الأرض وهو يحدث سامعه من سماء الخيال والامل.
والام التي فقدت وحيدها العزيز تمكث بعد فقده مدة تناجيه في سرها وتخاطبه، فإذا لم تسمع له جوابا أقامت معه في المنام، فإذا ما أصبح عليها الصباح قصت حديثها معه على أنه وقع بالفعل، أو نفذت مشيئته التي تصورتها على أنها حقيقة، فتشترى لروحه ما لذ وطاب. فحديثها عنه ليس من قبيل الكذب; بل حياة الامل هي التي صورته ثم أوحت به على أنه واقع.
* * *
وإذا كان الامل يلعب دورا رئيسيا في حياة الإنسان فهو طبيعة لا تفارقه، واستعداد غرزى له أثره في فهمه وتخريجه لما يفهمه على نحو ما يبدو في تصرفاته التي يأتيها. وألفاظ اللغة وتراكيبها مهما دقت وتحددت لم تزل مجالا لتخريجاته وأفهامه بوحى من الامل الذي يعيش فيه، قصر أمد عيشته فيه أو طال.
وهذا المجال في فهم الالفاظ والتراكيب الذي يخلقه أمل الإنسان هو الذي نعبر عنه بـ ((قراءة ما بين السطور)) ، وهو مجال لا يخضع لوضع اللغة وقوانينها ولالمصطلحاتها الطارئة:
فالحزبية في الرأي مثلا تخلق في الاخبار نوعا من المعانى لم توضع له الالفاظ