/ صفحة 42/
لاستحالة الترجيح بلا مرجع، وليس كذلك تصور الحدوث لأن الحدوث أمر وجودى لا يتصف الحادث به الا بعد وجوده، فتعقل الحدوث إنّما هو بعد الوجود، وفرع له، والوجود بعد لاعلة، وهى بعد المكان، فالحدوث متأخر عن الإمكان بمراتب.
على أنه لو كان مناط الحاجة الحدوث لا الإمكان; للزم أن يكون عدم الممكن بلا مرجح من غيره، فيكون العدم ضروريا له، وهذا خلف وخروج عن فرض أنه ممكن، وبعبارة أخرى: الحدوث صفة اعتبارية ينّزعها العقل من الوجود المسبوق بالعدم المقابل له، إن أريد به الحدوث الزمانى أو المسبوق بعلة الوجود الذي يعبرون عنه بالحدوث الذاتى. فمنشأ انتزاع صفة الحدوث ليس الا الوجود ولا يعقل تقدم الصفة على الموصوف، ويجب التنبه في هذا المقام إلى أن المستفاد من كلمات الشرع المروية عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة الراسخين في العلم حدوث العالم كله، مثل: ((كان الله ولم يكن معه شيء)) وغير ذلك من المأثور، وظاهرها الحدوث الزمانى، ولكها ليست بحيث لا تحتمل التأويل، بأهل التحقيق يؤولونه بأن الله لم يكن معه شيء أزلا وأبدا، والحكماء أيضا قائلون بحدوث ما سوى الله، الا أنهم يقولون بحدوث الزماني في الزمانيات، وحدوث الذاتي فيما فوق الزمان، ومن المعلوم أن تأويل بعض الآيات والأحاديث التي يأبى العقل معناها الظاهري كقوله تعالى: ((الرحمن على العرش استوي)) وقوله تعالى: ((و جاء ربك والملك صفا صفا)) المشعر في الظاهر بالجسمية تعالى الله عن ذلك، وكما ورد في الحديث: ((ان الله تبارك وتعالى ينزل في آخر الليل (ليلة الجمعة) إلى سماء الدنيا وينادى هل من داع وهل من مستغفر)) ـ أن تأويل أمثال ذلك بما يوافق العقل ومحكم الآيات جائز بل واجب. ولكن لا ينبغى الاجتراء في هذا الأمر وفتح باب التأويل في جميع المتشابهات الا ما ورد عن المعصوم.
ولنرجع إلى المسألة المبحوث عنها وبيان طريق أهل الحق في اثبات المبدأ الأولى ووجود الحق تعالى الذي بينه الشيخ في كتبه، ومنه ما في الاشارات الذي نقله الدكتور (تأمل كيف لم يحتج بياننا إلى آخرة) والحق أن هذا الطريق هو