/ صفحة 41/
الوجود ولو بعلة. فالدليل قاصر عن اثبات المطلوب ـ وأنت ترى أن اشتراك لفظ الممكن في الممكن الحقيقى باصطلاح ابن رشد، وفي الممكن الضرورى الوجود بغيره غير قادح في الحصر المذكور يحسب النتيجة، لأن الممكن بأى معنى كان لا يسلب عنه عنوان الامكان أي الفقر الذاتى واستواء الوجود والعدم بالنسبة إليه. فكلا القسمين مشتركان في الاحتياج إلى المؤثر، فلا محصل لهذا الايراد أصلا ـ على أن الممكن لا يخلو عن ضرورة ما قط، لأنه في حال الوجود ضرورى الوجود بسبب الغير، وفي حال العدم ضرورى العدم بغيره أي عدم علة الوجود ـ والظاهر أن مراد ابن رشد من الممكنات الضرورية الممكنات القديمة على رأى الحكماء، ومع التسليم بوجود الممكنات القديمة لا يتطرق القدح في الدليل، لأن القدم صفة الوجود، وما كان وجوده يسبب الغير لا معنى لانتهاء العلل، إليه لنقل الكلام إليه من جهة الامكان والاحتياج الذاتى.
وأما الامام الغزالى فلاعتقاده حدوث العالم بأسره ـ أي وجوده بعد العدم السابق ـ خطّاً ابن سينا، وقال أن استدلاله لا يثبت المقصود أصلا، نظراً إلى أنه كسائر الفلاسفة يعتقد بوجود الممكنات القديمة، كالعقول والطبائع الكلية بل أجرام الأفلاك، وإذا كانت قديمة لا تحتاج إلى العلة فينسد باب إثبات العلة الأولى.
والانصاف أن هذا الاستنتاج خطاً، فإن وجود الممكنات القديمة على فرض ثبوته لا يخرجها عن حقيقة الامكان، ولا يغنيها عن العلة الموجودة كما بينا آنفا، فلا يكون في الوجود موجود ممكن غير محتاج إلى العلة الموجودة، والا لم يكم ممكنا.
ثم إن قول الشيخ، بأن مناط حاجة الممكن إلى الواجب بالذات هو الامكان لا الحدوث; حق وصدق، وهو مذهب جمهور الحكماء والمحققين من متأخرى المتكلمين. والتحقيق كما قال المحقق الطوسى شارح الاشارات: أن هذا الحكم ضرورى لا حاجة إلى تجشم الاستدلال عليه لأنا إذا نظرنا إلى ماهية الممكن واستواء الوجود والعدم بالنسبة إليه; نحكم بداهة بأنه محتاج في وجوده إلى مرجح