/ صفحة 407/
وأغيب عنه لحظات يشاء فيها العلى القدير أن ينطفىء النور، فيشمل المكتبة الديجور، فأعود إلى صاحبى ومعى المصباح، فإذا هو قد أخذته الرجفة، ولو مبقية على حياته، الا أنه يرعد وقد شحب وجهه، وزاغ بصره، ولجلج لسانه، قلت: ماذا دهاك؟
قال: الظلام والاشباح التي تطيف في غرفتك هذه وكان ذهب عنه الرّوع فأخذ يشرح: نعم الاشباح التي خيل إلى أنها ترقص في الظلام. فلا سلطة لى على الغريزة، وما حفظت من أوهام كانت تقلق حياة أبنائنا الاولين.
قلت: العجب كل العجب أن يكذب المرء نفسه.
قال: جئنى بمن شئت من الحتميين وأنا زعيم لك أن أشباح غرفتى هذه ستغلبهم على منطقهم.. ان العقيدة لا تكذب صاحبها، والا فما بال سقراط حين آمن بالاخرة لم تغلبه الغريزة فيخاف؟ وتالله لقد كان حرياً أن يخاف، فما أحسب أشباح السماء والأرض قادرة على أكثر من أن تقدم لك كأس الموت التي شربها سقراط مطمئناً حتى لكأنه يقول: يأيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى في عبادى وادخلى جنتى.
قلت: لنعد إلى ما كنا فيه. الصبر بالحر أولى وأجمل، ولو كان الجزع يرد القضاء... أو كما قالوا: المنية ولا الدنية. لماذا كل هذا؟
ان الإنسان ليحمل نفسه على المكروه. وإذا تركنا خبر الفكر والاسباب الاولى والمسببات، وإذا كان الافكاك أو ثم فكاك ومتزحزح عما تكره النفس، أو تركنا هذا، وجدنا في حياة الادميين مثلا علياً حقيقية. تاريخية، لا خيالية أسطورية... فأنت تموت اختياراً لا اضطراراً في بعض الظروف من أجل فكرة أو عقيدة، فهل المبادىء والعقائد جديرة بما نضحي به أحياناً؟
لقد تساءل العلامة ((فرويد)) هذا التساهل، وأحسبه أجاب اجابة لا ترضى أصحاب القيم الخلقية، فثم كثير من أبناء آدم ضحوا وماتوا من أجل أفكار أو عقائد ان هي في واقع الأمر الا أوهام أو أحلام.