/ صفحة 388/
ان مصيبتنا العظمى أننا فقدنا الثقة في أنفسنا، فاحتقرنا كل مقوماتنا كأمة لها تقاليدها ولها فنونها وآدابها; والتمسناما عند غيرنا من الامم القوية في أنفسها وفي نظرنا، فلم ننسجم في لبستها، ولم نبق على ما بأيدينا، فصدق علينا مثل:
((ان الغراب وكان يمشى مشية الخ)) من مثل الكتاتيب!
اننا لسنا أعداء للعلم أبداً، بل اننا منهومون إليه نهمة لا تشبع; ولكنا نريد أن ندرس علومنا وآدابنا قبل أن ندرس علوم غيرنا وآدابهم، حتى يكون ايرادنا واصدارنا بحكمة ودقة نظر، وصدق موازنة.
ومن عدم احترام النفس أن أدرس المعيار الادبى لفرنسة مثلا، على حين أننى لم أدرس المعيار الادبى للعربية، ويلطف هذا العيب أن أقصر استعماله على الادب الفرنسى لا أتجاوزه إلى غيره من آداب الامم الاخرى.
ولقد سعدت بقراءة كتاب في النقد الحديث غاب عنى اسمه، وهو للدكتور النويهى الأستاذ في كلية الخرطوم، والحق أنه كتاب كريم يندر مثله في كتب النقد الحديث.
ومن أبدع ما يقول هذا الدكتور المجدد جداً!: ((ان أكثر النقاد المجددين في الشرق، يأخذون طرق النقد الغربى من كتب النقد، لا من التمرس بأساليب اللغة، والمرانة على مواضع استعمالانها، ومحاسن أوضاعها الخ)) في كلام في هذا الموضوع مستوفي ممتع، مع ايراد المثل وشرح ما فيها من عيوب التطبيق.
هذا رجل من أهل العلم المجددين الذين يحملون اجازاتهم العلمية والادبية من أوربة يقرر في صراحة أن أكثر نقاد الادب المجددين عندنا مخطئون; فهل يلام مثلى ممن تقف معلوماته المحدودة في الادب عند المؤلفات العربية; على أن ينكر على مجددى الادب أساليبهم في نقد الادب العربى؟
* * *
وعندنا رجل آخر يعتبر إمام النقاد في الشرق العربي، وهو الدكتور طه حسين، الذي خدم الأدب في هذا العهد خدمة تصغر عندها كل خدمة، تقرأ كل كتاباته.